ثقافة الخوف تدمّر ضحايا التحرش الجنسي في الأردن

ثقافة الخوف تدمّر ضحايا التحرش الجنسي في الأردن

23 ابريل 2015
ثقافة الخوف تمنع الضحايا وذويهم من الإبلاغ عن التحرش
+ الخط -

لم تعتقد ميساء (39 عاماً) أن طفلها البالغ من العمر خمس سنوات، قد يتعرض لتجربة أليمة ربما تستمر معه لفترة طويلة من حياته، إذ تعرض ابنها محمد لتحرش جنسي، قبل شهر، قام به بواب العمارة التي تقطنها ميساء في عمّان الغربية، لدرجة كاد أن يُهتك عرضه، لولا أن لاحظ أحد الجيران البواب، وهو يأخذ الطفل إلى مخدعه.

تقول ميساء: "لا أدري إن استطعت أن أعبر عن سخطي وخوفي وانزعاجي وحزني. لم يتبادر إلى ذهني أن البواب، الذي يعيش معنا منذ سبع سنوات، من الممكن أن يقترف مثل هذا الجرم". وحين سُئلت إن قامت بإبلاغ مركز أمني، أو مديرية حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام، نفت ميساء ذلك، واكتفت أن تعالج ابنها بعيداً عن أعين الجميع "خوفاً من الفضيحة".

مصطفى البالغ من العمر 20 عاماً طالب طب، يتذكر بألم شديد تحرش أحد أبناء الجيران، به وهما صغيران، لم يستطع إخبار أحد من أهله، خوفاً من الشاب. يشعر مصطفى بحالة من التوهان والخوف، لدرجة أنه لا يستطيع الاقتراب من أي شابة، بسبب اضطراب في شخصيته، أصابه بعد تلك الحادثة، كما قال طبيبه المعالج لـ"العربي الجديد".

حالات متعددة، وثّقها "العربي الجديد" ضمن 300 قصة لضحايا تحرش جنسي أدى إلى معاناة مستمرة للضحايا من الأطفال وأسرهم.

ثقافة الخوف تدمّر الضحايا

تؤكد المحامية منى مصطفى الناشطة في حقوق الإنسان أنه "يصعب رصد حالات التحرش الجنسي بالأطفال في الأردن، رغم أن انتهاك الأعراض يتم تسجيله سنوياً، لأن ثقافة الخوف والعيب مسيطرة على المجتمع".

تتابع: "أسمع عشرات القصص، ولكن للأسف رغم محاولات إقناع الأهالي بالإبلاغ عن هذه الحالات إلا أنهم يرفضون، خوفاً من افتضاح الأمر أو معاناة أطفالهم من وصمة العار التي ستستمر طويلاً".

الإحصائية الرسمية لدى الأمن العام، والمركز الوطني للطب الشرعي، التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، تفيد بوجود 600 حالة إساءة جنسية يتعرض لها الأطفال في الأردن سنوياً، إلا أن دائرة حماية الأسرة تعترف أن هذا العدد ليس دقيقاً، بسبب عدم قيام الكثير من ذوي الضحايا بالإبلاغ عن الجريمة، وفق التقرير السنوي لدائرة حماية الأسرة التابع لمديرية الأمن العام الأردنية.

وتشرح المحامية منى مصطفى أسباب صمت الأهالي في العادة، بأن العديد منهم قد يرضى بالصلح العشائري، أو التعويض المادي مقابل السكوت والتنازل، خوفا من العار، وطبعاً الخاسر الأكبر هم الأطفال الذين يحملون عقداً لا ذنب لهم بها إلى آخر رمق في حياتهم".

80% من الأهل لا يصدقون الطفل

تظهر نتائج استبيان غير علمي، (يغطي 500 حالة متنوعة في العاصمة عمان)، أن 85% ممن تم استطلاع رأيهم، يعرفون قريبا تعرض لحالة من حالات التحرش الجنسي في طفولتهم، 20% منهم قاموا بإبلاغ أهاليهم، فيما 14% فقط تم إبلاغ الجهات المعنية بالأمر.

وتظهر الأسباب التي توصل إليها "العربي الجديد"، أن ما حال بين الضحايا وإبلاغ الجهات الرسمية حسب الاستبيان الآتي هي: الخوف من وصمة العار 90%، الخوف من الجاني 85%، عدم تصديق الطفل 80%.

القانون بحاجة إلى تطوير

شدد القانون الأردني العقوبات على الجرم الجنسي، خاصة في ما يتعلق بالأطفال، إذ قد تصل العقوبة في حال اغتصاب طفلة تحت سن الخامسة عشرة إلى الإعدام، وينص قانون العقوبات في المواد من 292 – 299، على معاقبة من اغتصب أنثى عمرها أقل من 15 عاما بالإعدام، ويحكم من قام بذات الجرم بحق أنثى عمرها يتراوح بين 15 عاماً إلى 18 عاماً، بالسجن عشرة أعوام مع الأشغال الشاقة. وينص القانون على عقوبة الحبس سبع سنوات لمن قام بجريمة هتك العرض مع الأشغال الشاقة في حال كان الضحية ذكراً أو أنثى تحت سن الخامسة عشرة. وبمدة لا تقل عن أربع سنوات إذا كان عمر الضحية بين 15 - 18 عاماً.

يُعرّف التحرش الجنسي""SEXUAL ABUSE" بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بأنه كل إثارة يتعرض لها الطفل أو الطفلة، عن عمد، وذلك بتعرضه لمشاهد فاضحة، أو الصور الجنسية أو العارية، أو يتم عن تعمد ملامسة أعضائه التناسلية، أو حثه على لمس أعضاء شخص آخر، أو تعليمه عادات جنسية، فضلاً عن الاعتداء الجنسي المباشر، في صوره المعروفة.

وتعقب الناشطة الحقوقية أسمى خضر، التي تقوم بحملة ضمن مشروع قانون الحماية من العنف الأسري أن: "قانون العقوبات الأردني بحاجة إلى تطوير وسد بعض الثغرات التي تمكّن المعتدي من التهرب من العقوبة، مثل دفع الغرامات". وتتابع بالقول إن "التحرش الجنسي بالأطفال، يحدث نتيجة خلل نفسي عند المعتدي، ولكن قانونياً يمكن تسميته بأنه انحراف جرمي، لأن الرغبة المنحرفة بممارسة الجنس مع الأطفال، لا تعني أن المعتدي فاقد لعقله وإرادته، ولا يجب معاملته كمريض نفسي عند الحكم عليه".

تشير خضر إلى حالة عدد من الجناة وصلت قضيتهم إلى القضاء، وانتهت مسؤوليتهم لعدم وجود البينة الثبوتية، أو لنقصها وعدم كفايتها، لقدرة المعتدي على الدفاع عن نفسه أكثر من الضحية، مما يؤدي إلى المصالحات الاجتماعية، وإسقاط الحق الشخصي، ما يؤدي إلى انتهاء القضية بعقاب خفيف، لا يتناسب مع الجرم العظيم الذي قام به المعتدي، ما يعني أن الضحية هي الخاسر الأكبر.

أثر لا يمحى

يشدد الدكتور مصطفى محمود، المتخصص النفسي، على أن تعرض الطفل للتحرش الجنسي يترك أثراً "لا يمكن محوه بسهولة" من حياته أو ذاكرته.

يقول محمود: "الطفل الذي يتعرض للتحرش، يعاني ما يطلق عليه بإفاقة جنسية مبكرة، وهو ما يؤدي إلى إصابته بـ Hyper Sexual Activity أي نشاط جنسي زائد، بما يتتبعه من تصرفات تحت ما يسمى بالسلوك السيئ، الذي يفعله الطفل مقلداً أو مجبراً من دون غريزة حقيقية داخله؛ فتظهر لديه تصرفات جنسية، وقد يتحول لمتحرش، كما قد تظهر لديه العديد من الاضطرابات على صورة أكل الأظافر أو التبول اللاإرادي أو الشرود أو التدهور الشديد في المستوى الدراسي أو الاضطراب في النوم والكوابيس والاستيقاظ فزعاً من النوم.. وقد تتصاحب هذه الأعراض أو توجد منفردة".

يرى المختص النفسي أن علاج ضحايا التحرش، في حال لم يتم باكراً، قد يحتاج إلى فترة طويلة، لإعادة ثقة الطفل بنفسه، ولتمكينه من نسيان الحادث المؤلم، بالإضافة إلى مساعدته للعودة إلى حياته بشكل طبيعي تدريجي، مشيراً إلى أن "معظم أهالي الضحايا، لا يكترثون لجانب الطفل النفسي، بل يهملونها، ويقومون بتأنيبه، مما يزيد الأمر تعقيداً، بسبب خوفهم من نظرة المجتمع".

دلالات