الأمن المائي العربي [3/6].. سدّ النّهضة يهدّد مستقبل مصر

الأمن المائي العربي [3/6].. سدّ النّهضة يهدّد مستقبل مصر

30 ابريل 2015
سد النهضة يهدّد حصة مصر من مياه النيل(فرانس برس)
+ الخط -
يشعر محمد عبد العاطي، رئيس قطاع مياه النيل المصري سابقاً، بالقلق من الأنباء المستمرة بتهديد حصة مصر من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، لأن مصر تعتبر من الدول الفقيرة مائياً، لعدم وجود موارد مائية بديلة عن مياه نهر النيل، فضلاً عن التزايد المستمر في أعداد السكان. لا يرى عبد العاطي في الحلول التي يتم الحديث عنها، مثل إعادة معالجة مياه الصرف الصحي أو الاعتماد على المياه الجوفية، مخرجاً من الأزمة المائية المصرية، لأنها تحتاج إلى وقت طويل للتنفيذ وتقييم إمكانية الاعتماد عليها.

احتياج مصر

يبلغ نصيب الفرد في مصر من المياه 600 متر مكعب سنوياً، وهو ما يدخل المصريين تحت خط الفقر المائي الذي يبلغ معدله 1000 متر مكعب للفرد سنوياً، وتحتاج مصر إلى نحو 119 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وفقاً لتقرير رسمي صادر عن مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا، "سيداري"، ويؤكد التقرير أن هذه الكمية مطلوبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني والدواجن ووقف الاستيراد من الخارج.

ولفت التقرير إلى أن مصر تعتمد بنسبة 97% من مواردها المائية على نهر النيل، وتعاني من ضغوط مائية لتوفير احتياجاتها في ظل محدودية مواردها المائية، فيما تشير تقديرات محلية مصرية إلى احتياج مصر بشكل عاجل إلى نحو 86مليار متر مكعب بحلول عام 2017.

موارد محدودة

يمثل اعتماد مصر على مياه نهر النيل بنحو 97 ـ 98% من المياه المستخدمة سواء في الري والصناعة أو الشرب، أمراً بالغ الخطورة، "ما يضاعف تلك الخطورة هو إقامة سد النهضة الإثيوبي على مجرى النيل الأزرق الذي يغذي مصر بالمياه، وعدم وجود موارد مائية بديلة"، كما يقول محمد عبد العاطي، الذي أوضح أن مياه الأمطار لا يمكن التعويل عليها في الزراعة أو الشرب، لأن متوسط كمية مياه الأمطار في مصر تبلغ 1.8 مليار متر مكعب في السنة، أما تحلية مياه البحر، فلا تمثل سوى 1% من مصادر المياه.

ووفقاً لعبد العاطي، فإن مخزون المياه الجوفية المصري يبلغ 40 ألف مليار متر مكعب من المياه غير المتجددة في الصحراء الشرقية والغربية وشبه جزيرة سيناء. بيد أن رئيس قطاع مياه نهر النيل السابق، أكد أن هذه المياه وإن كان المخزون منها كبيراً، لكنها تحتاج دراسات عديدة حتى لا تتأثر التربة والأرض جراء سحب كميات كبيرة منها، كما أن معالجة تلك المياه لتكون صالحة للشرب تحتاج جهوداً كبيرة، فضلاً عن مشاكل استخراجها.

في وقت سابق، أعلن وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور حسام مغازي، عن انتهاء الوزارة من وضع خريطة لمعرفة حجم المخزون الجوفي من المياه تشمل أماكن وجود المياه الجوفية، لاستخدامها في مشروع استصلاح المليون فدان، لضمان استمرارية التنمية المتكاملة بهذه المناطق من خلال آليات وضوابط جرى وضعها.

سد النهضة والأمن القومي

في خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، شن الإعلام المصري حملات شديدة على حكومته، لعدم التدخل واتخاذ موقف تجاه وقف بناء سد النهضة، لكن في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، قام الإعلام المصري، كما رصد المحللون، بالحديث عن فوائد السد لمصر، بطريقة أثارت تعجّب المصريين والخبراء المتخصصين، الذين اعتبروا أن اتفاق المبادئ الذي وقّع بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة تفريط في حقوق مصر.
الخبير المائي، الدكتور جمال صيام، يرى أن الاتفاق المبدئي الذي وقعه السيسي مع السودان وإثيوبيا، لا يتضمن التزاماً إثيوبيّاً حيال حصة مصر من المياه وعدم إلحاق أضرار بها. وأضاف صيام أن اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة، يعد اعترافاً صريحاً بالسد، ويضمن بشكل كبير تنفيذ السد وفقاً للرؤية الإثيوبية. وأكد الخبير المائي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، "بات بإمكان إثيوبيا الحصول على تمويل وقروض لاستكمال بناء السد، عقب موافقة مصر، لأن معظم الدول والمؤسسات الدولية توقفت عن التمويل بسبب موقف مصر".

ولفت إلى أن الاتفاق الحالي يدور حول مدة امتلاء بحيرة السد بالمياه، إذ توجد رغبة مصرية في جعل سعة خزان السد 14مليار متر مكعب من المياه، بدلاً من 74 مليار متر مكعب، كما تريد إثيوبيا. وشدد على أنه في حالة ما إذا أصرّت إثيوبيا على كمية 74 مليار متر مكعب، فسيكون الأمر كارثة بالنسبة لمصر، وخاصة أن هناك رغبة إثيوبية في امتلاء الخزان والبحيرة خلال سنوات قليلة معدودة، وهو ما يؤثر على كمية المياه الواردة إلى مصر، ضمن حصتها الرئيسية، ما يهدد بتعطيش المصريين وجفاف أرضهم التي تعتمد على النهر في الري.

وأشار صيام إلى أنه كلما طالت مدة ملء الخزان كان التأثير على حصة مصر قليلاً، مقارنة بامتلاء السد في سنوات أقل. وأردف: "في حالة إصرار إثيوبيا على ملء الخزان في ثلاث سنوات فقط، فستكون ضربة قاصمة لمصر، وتحديداً في الزراعة".

تجويع مباشر

يعتقد الخبير المائي صيام أنه وفي كل الأحوال، ستتأثر حصة مصر، متوقعاً أن تبلغ الحصة المفقودة عقب تشغيل سد النهضة فعلياً 10 مليارات متر مكعب، وهي النسبة المتوقعة وفقاً لمعدل تبخر بحيرة سد النهضة، قبل وصول المياه إلى مصر.

ولفت إلى أنه في حالة امتلاء الخزان في 3 سنوات، فإن مصر ستفقد نصف حصتها تقريباً من المياه، أي أن نصف الأراضي الزراعية لن تجد مياهاً للزراعة، التي يعيش عليها 20 مليون ريفي، أي أن ربع سكان مصر سيتعرضون لمجاعة.

وشكك صيام في قدرة المياه الجوفية على تعويض النقص المائي، قائلاً: "لماذا لم تستخدم هذه المياه الجوفية من قبل في زراعة الصحراء الغربية، بحسب مشروع سابق تقدم به الدكتور فاروق الباز، ولم ينفّذ؟".

حصة نهر النيل

يتفق الخبير المائي الدكتور مغاوري شحاتة، مع الرأي السابق مؤكداً على الضرر الذي سيلحق بمصر بسبب سد النهضة، وقال شحاتة: "إن إقامة سد النهضة بصورته الحالية يهدد الأمن القومي المصري بما يدع مجالاً للشك، ولا بد من وجود حلول للاتفاق مع إثيوبيا حول سعة خزان السد وتقليله، فضلاً عن اشتراك مصر في نظام التشغيل".
وأضاف، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": "إن اتفاق المبادئ العامة حول سد النهضة، لا يضمن حصة مصر أو عدم حدوث ضرر"، وشدد على أن الاتفاق يحاول الاحتكام إلى ما سيتوصل إليه مكتب الخبراء الدوليين بشأن دراسة السد، والتي ستكون ملزمة لكل الأطراف، لكن إثيوبيا تراوغ في الأمر كثيراً.

وأكد أن أحد مشكلات سد النهضة هو حجز الفيضان، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على التوازن البيئي في المنطقة كلها، وبالتالي على عملية الزراعة في مصر. واقترح الخبير المائي أن يتم تغيير أبعاد السد واقتصار سعة التخزين على 14 مليار متر مكعب بدلاً من 74 مليار متر مكعب من المياه، وملء السد في فترة تحافظ على حصة مصر التاريخية.

جفاف زراعي

يؤكد الخبير المائي شحاتة أن بعض المزارعين يحفرون الآبار الجوفية للحصول على مياه الزراعة، نظراً للنقص الحاد في المياه التي لا تصل إلى بعض المحافظات، وأكد شحاتة أن مصر تعاني من جفاف حتى قبل السد نظراً لقلّة موارد المياه، قائلاً: "محافظة كفر الشيخ تعاني من نقص حاد في مياه الري، وليست وحدها التي تعاني من نقص مياه الري، بل هناك مناطق أخرى في مصر، مثل وسط الدلتا وشمالها ومحافظة الفيوم والدقهلية وبعض مناطق الصعيد".

وأردف متابعاً أن كثرة المحاصيل التي تحتاج إلى مياه الري بكميات كبيرة، مثل الأرز، تعدّ عاملاً هاماً من عوامل استهلاك حصة مصر من المياه، خاصة التي توجّه إلى القطاع الزراعي المتنامي، وشدد على أنه في حال استمرار الوضع كما هو عليه من حيث عدم وجود بدائل مائية عن النيل، واستمرار إثيوبيا في مشروعها، ستضطر مصر إلى وقف زراعة معظم المحاصيل، والاعتماد على الاستيراد من الخارج، ويمتد الأمر إلى عدم قدرة ملايين الناس على الحصول على مياه شرب آمنة ونظيفة، وهو ما يهدد المصريين بكارثة غذائية.

-------
اقرأ أيضا
الزراعة تهدد السعودية بالجفاف بعد 30 عاماً

الأمن المائي العربي[1/ 6]..إيران وداعش يدمران مياه العراق

رسالة نمور التاميل إلى أبناء النيل

دلالات