جامع محمد الأمين

جامع محمد الأمين

16 نوفمبر 2015
جامع محمد الأمين في بيروت
+ الخط -
يطل جامع محمّد الأمين في بيروت، على ساحة الشهداء الشهيرة، ويضمّ في جنباته ضريح زعيم شهير: رفيق الحريري، الذي "تجاوز" بصنيعه، لو جاز التعبير، مهنة رئيس وزراء البلد الصغير لبنان، حين قرن اسمه بإعادة إعمار وسط بيروت، بعد تلك الحرب الأهلية التي شطرت المدينة، وفتكت بنسيجها المعماري، ورسبّت في النفوس جراحًا يصعب اندمالها على ما يبدو.

جامع محمّد الأمين، شهير بقبابه الزرقاء، ومآذنه الأربع، وهندسته الخاصّة التي تجعل الناظر إليه، من أي جهة يكون، يراه مكتملًا متناغمًا، لكأنه من نظرة واحدة، يستطيع الإحاطة بروعة عمرانه.

للجامع قصّة تقول بالبداية من التصوّف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فقد منح السلطان العثماني عبدالمجيد، قطعة أرض للشيخ "محمّد أبو النصر"، لينشئ فوقها زاوية صوفية. الشيخ المتصوّف حوّل الزاوية إلى جامع صغير، وسمّاه "محمد الأمين" نسبة إلى النبي محمّد.

اقرأ أيضًا: كسوة الكعبة

ولأمر ما، اكتسب الجامع أهمية في وجدان الناس، ونجا من كل ما مرّ على بيروت من نوائب، وقرّر أهل المدينة توسيع الجامع، وبدأوا بالمسار المعهود في جمع التبرعات. إلا أن تلك الحرب الأهلية البغيضّة، عطّلت كل شيء، فكان لا بدّ من الانتظار، لتضع أوزارها، ولو عنوة، قبل أن يوجه أهل المدينة أنظارهم ثانية إلى الجامع. وكذا كان.

وإذ أراد أهل المدينة بناء صرح يتناسب مع مكانة الدين الإسلامي في النفوس، تضافرت الجهود، وتبّرع رفيق الحريري بالمال اللازم.
أمّا المهندس الذي صمم البناء، فلم يكن من أهل المدينة، بل كان متحدرًا من مدينة مقدّسة، إن ليست إلا القدس الشريف. راسم بدران، هو المعماري الذي تصوّر المكان، الذي يتغلغل دين محمّد في ثنايا تفاصيل عمارته الإسلامية.

ربّما جال في بال المعماري أولًا الاختيار بين الطرز الشهيرة: الأموية والعباسية والمملوكية والعثمانية. ولعله لم ينجُ من مثل شامي يقول : "إذا بدك تحيره، خيره"، كذا قرر المقدسي الجمع بين تلك الطرز. وللعارف بسمات تلك الطرز، لن يصعب عليه إن كان خارج الجامع أم في داخله، الإشارة إليها من خلال العناصر المعمارية؛ فالألوان والتذهيب، والزجاج والخزف، المسمّى في الشام "القيشاني"، فضلًا عن القناطر، وخصوصية القباب؛ الكبيرة في الوسط، ثم الأصغر فالأصغر حجمًا، وتراكبها على مستويات، وتداخل ما يشبه أنصاف المكعبات بينها، كلّها أمور معمارية، بمنزلة العلامة في العمارة الإسلامية، تقدح المعاني التي ملؤها الإيمان.


المساهمون