"أبونا" باولو

"أبونا" باولو

19 ابريل 2016
الأب باولو داللوليو (Getty)
+ الخط -
إنه "أبونا" باولو في هذه الصورة. ووفقًا للتوثيق، فقد التقطت ضمن إطار الاحتفال بـ "عيد السيدة"، مريم العذراء والدة المسيح. لأمر ما، اختارت المصورة الفنلندية laura junka، تصوير المسيحيين في سورية والعراق. وانتقت أيام الاحتفال، لإظهار الطقوس الدينية والاجتماعية وطريقة تصرف المشرقيين وسلوكهم. ربما لفرط انتمائه إلى هذه البقعة المنكوبة، كان "أبونا" باولو موضوعًا لإحدى صورها. ووفقًا للتوثيق، فإن المكان ها هنا، حي باب توما في دمشق القديمة.

الحي المسيحي الذي اشتهر "شِعريًا" بسبب قصيدة الشاعر السوري الراحل، محمد الماغوط : "أغنية إلى باب توما".
"ليتني وردةٌ جوريةٌ في حديقة ما/ يقطفني شاعرٌ كئيب في أواخر النهار/ أو حانةٌ من الخشب الأحمر/ يرتادها المطرُ والغرباء". على عادته، يبدو الماغوط كئيبًا ممتلئًا بالحزن في شعره ذي النبرة المتبرمة، التي سرعان ما صار لها مريدون ومقلدون. أما "أبونا"، فعلى عادته أيضًا، مُشعٌّ بالتفاؤل، عيناه المتقدتان بالأزرق الصافي، تقولان أمرًا واضحًا: بالعمل معًا، الخير كله لنا. ثمة مستقبل، ثمة أمل.

لكن، لعل "أبانا" باولو كان في "صومعته" في دير مار موسى الحبشي، هذا ما تشي به الأحجار غير المشذبة خلف الراهب الإيطالي، وكذلك البسط والسجادات الحمراء، التي تكسو أرض الدير الواقع في جبال القلمون. للوصول إلى الدير لا بدّ من التجربة، لا بدّ من تسلق الجبل، كل خطوة ستعلم المرء التواضع، كل خطوة ستقوي الإيمان بالخالق، كل خطوة ستقرّب المسافات بين الإسلام والمسيحية، فـ "الراهب بولص" كما سمّي بعد ذاك، لا يؤمن بشيء قدر إيمانه بالحوار بين الأديان.

الإيطالي الطويل، صاحب الصوت الجهوري، العاشق للغة الضاد، يترنّم بها أنى استطاع إلى ذلك سبيلًا، "بالغ" في حبّه للمكان السوري، حدّ أننا خلناه منا بالفعل لا المجاز. كذا نظرت السلطات إليه، وكذا نظر هو إلى نفسه.
جاءت الثورة، فلم يتلكأ "أبونا" باولو بالانحياز إلى الضحية والدفاع عنها، وبثّ خطاب السلام والمسالمة والسماح. لكن، ممنوعةً كانت ولا تزال، الإشارة إلى الضحية، فما بالك بالتعاطف معها، ناهيك عن الانحياز لها.

Persona non grata قالت السلطة لأبينا باولو. غير مرغوب بك ها هنا، فارحل. فماذا يفعل الراهب؟. المؤمن بالعمل، مؤمن بالكلمة؛ توجه برسالة إلى أهل القلمون، جاء مطلعها سوريًا، لكأن كاتبها منّا: "في الوقت الذي أغادر فيه البلد متّجهاً إلى منفى أليم". ومضمونها أيضًا :"نعم، إنني ذاهب وبقدر ما أبتعدُ في المدى أتعمّق بالقدر ذاته في انتمائي العربي والسوري والقلموني، فلا تتحقق الإنسانيةُ إلا في الخصوصية".
لم يستطع الراهب الإيطالي ترك البلد، وطاف فيها، ظانًا أن "الحوار" والكلمة الطيبة، أقوى من الشر. وكذا كان. راح إلى الرقة ليحاور "المتشددين". لم يعد "أبونا".

دلالات

المساهمون