الوِحشةُ وشقيقتُها الوحدةُ وربيبُهما

الوِحشةُ وشقيقتُها الوحدةُ وربيبُهما

12 مايو 2015
+ الخط -

يومياتٌ تحتَ السطرِ

أستعملُ حنجرَتي بشكلٍ نادرٍ، ليس عليَّ أن أجيبَ بنعمٍ أو لا! جلُّ اليومِ يمضي، ولا أواجهُ أيَ سؤالٍ.
معظمُ الذين ألتقيهم، لا يتحدثونَ لغتي
نتفاهمُ برَّفة جناحٍ
غمزةِ غصنٍ
هزةٍِ ذيلٍ
رعشةِ ضوءٍ
زمجرةِ محركٍ
صريرِ بابٍ
خشخشةِ ورقةٍ
بانسكابِ لونٍ،
أو أننا نسكنُ تماماً
جارَينِ
أو واحدَنا مقابلَ الآخر
تاركينَ للهواءِ مهمةَ التعارفِ على حبالِ الرائحةِ،
لكلٍ منّا حيِّزُهُ
وغالباً ما يكونُ اصطدامُ الذبذباتِ آمناً.

* * *

الأشباحُ لا تتنحى إلّا لماماً
ليستْ مشغولةً بمفرداتِ العيشِ
خطوةٌ تقتفي أثرَ الشمسِ،
نافذةٌ تلّحُ في استعادةِ مكانِها كعينٍ مفتوحةٍ على السماءِ
ندوبُ كلماتٍ،
العاطفةُ التي لمْ تعدْ تمطرُ بعد أن تحولتْ في طورِها الثاني
إلى غيمةٍ،
العشاقُ القساةُ
أيضاً حاضرونَ
ولديهمْ كاملُ الحريةِ كي يتبدّوا الآنَ الأكثرَ رقةً.
روحٌ تتسحّبُ بأقصى ما يمكنُها من هدوءٍ
وإلّا.. لتنبّهَ الألمُ،
ثوبٌ يكملُ رقصتَهُ دونَ معونةٍ من جسدٍ.
موسيقى..
موسيقى
موسيقى الأنينِ الهائمِ لأوركسترا البحرِ
وغرقى يتقلّدونَ قبورَهم الزرقاء.

* * *
أشخاصٌ لا أعرفهم يستكملونَ حيواتِهم في نومي
امرأةٌ سوداءُ قتلتْ حبيبها على مخدتي،
في خمسيناتِ القرنِ الماضي
رجلٌ في الخمسين يمارسُ الحبَ مع شريكةٍ لمْ أتعرفْ عليها
قدّرتُ الزمنَ من شكلِ جهازِ الهاتفِ الذي قطعَ رنينُهُ انسجاميَ في جسدهِ
حوارٌ بين ثلاثِ جاراتٍ حولَ طاولٍة للفِ أوراقِ العنبِ،
طفلةٌ تَحلبُ مِعزَتها تحت لحافي،
رجالٌ يناقشونَ صفقةً لم أستوعبْ موضوعَها
كنتُ وحدي كلَّهم
وكنٌا نتحدثُ في ذات الوقتِ!
:
غزاةُ نومي الغرباءُ تماماً عن انشغالاتي
دائماً كانوا أنا ..
أتقنَتْ خداعي
واقتنصَتْ لنفسها كلَّ ذلكَ الماضي.

* * *

الحطابُ ظنني لشدّةِ صمتي شجرةً
لولا أنني لمْ أغادرِ البيتَ،
لمتُّ في لحظةِ التباسٍ!

* * *

العملةُ المعتمدةُ في عملي الجديدِ هي الوقتُ. يدفعون بسخاء، ولا يأتي آخرُ اليومِ إلّا وقد بدّدتُ كاملَ أجري.
ما أصعبَ الاستدانةَ منَ الشيطانِ!
الوقتُ مقابلَ العمرِ.
كما لو أنني أكافحُ التجاعيدَ على وجهي بالفوتوشوب.

* * *

في فترة الاستراحة من عملي الجديد دائماً أضعُ خطةً لخيانةٍ صغيرةٍ
من قبيلِ أن أتفرغَ بشكلٍ كاملٍ للحياة.



في الحديقة


الرجلُ الذي استيقظَ مبكراً ليتريضَ، يُصبّحُ عليَّ بابتهاجٍ. لم أصبْ بالعدوى.
العجوزُ ووليفتُهُ يمرّانِ بشبابي، وربما يتحسّرانِ.
أنا هادئةٌ كساقيةٍ في بطنِ جبلٍ.
لستُ في البيتِ، وفي جيبي مفتاحُ القفصِ.
يُخيّلُ لكَ أن التخلصَ من هزائمكِ ممكنٌ بطرقٍ عدةٍ. إطعامُها للبطِ على هيئةِ خبزٍ يابسٍ، واحدةٌ منها.
العجائزُ أيضاً يتريضونَ، تتحركُ أنظارُهم بسرعةٍ، وهم يلاحقونَ كلابَهم.
الطاعنونَ في السنِ، كلابُهم فتيةٌ، تتالت أجيالٌ من الكلابِ، والمالكُ واحدٌ.
عائلةُ البطِ التهمتْ كلَّ الخبزِ... ما جلبتُهُ معي، ظلَّ معي.


في حضن الغول

لم تكنْ تخيطُ ثوباً لطفلةٍ كبياضِ الثلج
بوعي كاملٍ
أمسكتْ علبةَ الدبابيسِ
تغرسها
واحداً في كلِّ أصبعٍ
وتضغطُ
كمنْ يدفعُ سرَّه في عمقِ أرضٍ صخريةٍ
خمسةُ أصابعَ
وكفّانِ
فكيفَ يفيضُ الدمُ من النوافذِ
من شَقِ البابِ
من أذنيها
من مفرقِ الشعرِ
من خيالِ الشمسِ فوقَ بِساطِها
من الطريقِ المؤدية إليها؟

حكايةُ ما قبلَ النومِ
في مدينةٍ عصيةٍ
في وطنٍ خرافيّ
في قبضةٍ عظيمةٍ
في بيتٍ ضيقٍ
كشق
بين
جدارين.




الوحدة

أيتها الوحدةُ!
العظيمةُ
كآلهةٍ
انا أسيرتُكِ
عبدتُكِ الراغبةُ
بوابةُ كهفكِ
ذرةٌ من رمادِكِ
لصاقةُ جرحِ يدكِ!

لا تتركينني..
كمزلاجِ بابِ بيتِ مهجورٍ
كعتبةٍ لا يريقُ عليها أحدٌ ماءَ تميمَتِهِ
كصحنٍ مكسورٍ
كعشاءِ اليومِ السابقِ.

أيتها الوحدة!
لا تتركيني
بينَ الآخرينَ
وحدي.

(شاعرة سورية)

المساهمون