"بيدرو والنقيب": جلسة تحقيق طويلة

"بيدرو والنقيب": جلسة تحقيق طويلة

09 سبتمبر 2015
ماريو بينيديتي (بابلو بيِلّي، 2007)
+ الخط -

كنت أفكّر في البدء بأن موضوع "بيدرو والنقيب" سيكون رواية، حتى إنني وضعت له عنوان "الدُهَقُ". أتذكر أنه في مقابلة صحافية تعود إلى سنة 1974، أجراها معي الناقد الأوروغواياني خورخي روفينيلي، سألني خلالها عن مشاريعي الأدبية وقتها.

فتحدثت له عن رواية مستقبلية محتملة عنوانها "الدُهَقُ"، وقلت له ما معناه "ستكون محادثة طويلة بين معذِّبٍ وشخص يتعرّض إلى التعذيب، التعذيب ليس حاضراً فيها فعلياً، لكنه الحاضر الغائب في المحادثة ويثقل على الحوار.

أفكر في التقاط الجلاد والضحية ليس في المعتقل أو في المعسكر فقط، وإنما أيضاً منسجمين في الحياة الخاصة لكل واحد منهما". هذه في الحقيقة "بيدرو والنقيب".

يمكنني تعريف هذه المسرحية على أنها استقصاء درامي في نفسية المُعَذِبِ، هي شيء من قبيل الإجابة عن التساؤل لماذا، وبواسطة أي عملية يمكن لكائن طبيعي أن يتحوّل إلى جلاد.

لكن رغم أن التعذيب هو بدون شك موضوع العمل الدرامي، فإنه كفعل مادي لا يظهر على خشبة المسرح. فأنا دائماً ما تصوّرت بأن التعذيب كموضوع فني يمكنه أن يكون حاضراً في الأدب أو في السينما، لكنه في المسرح يتحوّل إلى اعتداء مباشر زائد عن اللزوم على المتفرج، وبالتالي فإنه يفقد كثيراً من إمكانياته الكاشفة.

بالمقابل، فإن التعذيب عندما يكون عبارة عن حضور مخزٍ لكن غير مباشر، فإن المتفرج يحتفظ بدرجات أعلى من الموضوعية، وهي أمر أساسي للحكم على أي عملية للحط من كرامة الإنسان.

هذا العمل الدرامي ليس مواجهة بين وحش وقديس، وإنما رجلان، كائنان من لحم ودم، كل واحد منهما يتمتع بنقاط ضعف ونقاط مقاومة. المسافة الفاصلة بين الأول والثاني، هي أوّلاً وقبل كل شيء أيديولوجية، وهناك ربما يكمن المفتاح لفوارق أخرى تشمل الأخلاق والنفس والحساسية أمام الألم الإنساني والمسار المعقد الذي يتوسط الشجاعة والجبن والقدرة على التضحية، قليلة كانت أم كثيرة، والهوة بين الخيانة والوفاء.

مظهر آخر يجب إبرازه، هو أن العمل بطريقة ما يقترح علاقة بين الجلاد والضحية، هذه العلاقة رغم عدم التطرّق إليها بشكل وافٍ في المسرح، إلا أنها تكون حاضرة غالباً في مجال القمع الحقيقي الذي يمارس في بلدان المخروط الجنوبي.

في مسرحية "بيدرو والنقيب"، الفصول الأربعة هي مجرد وسيط، هي فترات هدنة بين تعذيب وتعذيب، هي الفترات القصيرة التي يستقبل فيها المحقق "الطيب" المعتقل الذي تعرض إلى تعذيب وحشي مسبقاً، وبالتالي فإن من البديهي أن تكون قواه قد خارت.

الشخص الذي يتعرض إلى التعذيب يمكن أن يكون أكثر من مجرد ضحية لا حول لها ولا قوة، محكوم عليها بالهزيمة التي لا مفر منها، أو الوشاية. يمكن أن يكون أيضاً (والتاريخ الحديث يبين أن آلاف المناضلين السياسيين جابهوها على هذا النحو) رجلاً يهزم السلطة التي على ما يبدو أنها شمولية، رجل يستخدم صمته تقريباً مثل درع ونفيه تقريباً مثل سلاح، رجل يفضل الموت على الخيانة.

لكن لكي يصمد هذا الموقف المشرّف والمتين، والذي لا يُرتشى، يجب على السجين تصنيع دفاعاته الشخصية المعقولة وأن يقنع نفسه بمناعته. عندما يخترع بيدرو استعارة أنه في الحقيقة شخص ميت، فإنه في الواقع يخترع خندقاً ومعقلاً يصون من خلفه وفاءه لزملائه ولقضيته.

في هذا العمل، هناك عمليتان تتقاطعان: عملية العسكري الذي تحوّل من "صبي طيب" إلى جلاد، وعملية المعتقل الذي مرّ من كونه مجرد رجل عادي، إلى شهيد واعٍ. لكن التوتر الدرامي الحقيقي لا يتجلى في الحوار، وإنما في داخل أحد شخوص المسرحية وهو: النقيب.

لم أشأ تقديم المعتقل على أنه مناضل ينتمي إلى أحد القطاعات السياسية بعينها، فقد شمل القمع الشديد عملياً كل أطياف اليسار الأوروغوياني، إضافة إلى أنه بلغ قطاعات أخرى من المعارضة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الكنيسة والأحزاب التقليدية.

بيدرو هو ببساطة معتقل سياسي ينتمي إلى اليسار، لا يشي بأحد، والذي بشكل ما يذلّ الشخص الذي يستجوبه، هازماً إياه وهو يحتضر. كل واحد من الفصول الأربعة لهذه المسرحية ينتهي بكلمة لا.

يجب الإشارة إلى أنه حتى وسط الهزيمة التي نعاني منها اليوم، فأنا لا أكتب أدباً -خصوصاً بما أن الأمر يتعلق بالمسرح-انهزامياً يئنّ وموجهاً إلى إلهام الآلام والشفقة. علينا استعادة الموضوعية كشكل من أشكال استعادة الحقيقة، وعلينا استعادة الحقيقة كشكل من أشكال استحقاق النصر.

الفصل الأول من المسرحية


* ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي

دلالات

المساهمون