"ليس إلا": صورة الفنان في أُسرته

"ليس إلا": صورة الفنان في أُسرته

18 ابريل 2016
(مشهد من المسرحية، تصوير: كريم العمري)
+ الخط -

من خلال رسم صورة مجهرية للحياة اليومية للمشتغلين في عالم الفن، تضيء المسرحية التونسية "ليس إلا" الإكراهات التي تفرضها التحوّلات (الخارجية والداخلية) على الناس، فيتحوّل التواصل إلى حالة احتكاك مستمر.

ضمن "مهرجان الإسكندرية الدولي للمسرح المعاصر" الذي أقيمت عروضه في قاعة "المسرح الصغير" في مكتبة الإسكندرية، قُدّمت المسرحية في الثامن من الشهر الجاري. عمل تشارك في كتابة نصه وإخراجه وأدائه انتصار عيساوي وحمّودة بن حسين.

يدخل الجمهور إلى القاعة ليجد الممثلة (انتصار عيساوي) واقفة وهي تدخّن إلى جانب مجموعة لوحات معلّقة في الحائط تصاحبها موسيقية أميركية من أجواء ثلاثينيات القرن الماضي. يستمر ذلك قرابة عشر دقائق، والمشاهدون يأخذون أماكنهم ويتحدّثون حتى يكاد ينسى الجميع حضورها.

فجأة تتغيّر الإضاءة، وتبدأ الممثلة في ما يشبه عرض أزياء، ومن داخل الكواليس يُقذف بكراس على الخشبة. هنا، يظهر حمودة بن حسين من بين مقاعد المتفرّجين، سنعرف من الحوار أنهما زوجان في ليلة رأس السنة، ليس لديهما ما يكفي من المال لتأمين سهرة جيدة.

من أسفل الخشبة يستمر الحوار متخذاً أكثر فأكثر نبرة تهكّمية من الفقر والحياة الزوجية. يصعد بن حسين الخشبة ويبدأ في جمع الكراسي، ترتيبٌ لن نجد ما يقابله في عملية التواصل بين الزوجين، فقد أجهض الفَلَس السهرة، غير أنه سيتيح للزوجين أن يتعرّفا على بعضهما بشكل أعمق.

في المشهد الثاني، يتدلى ميكروفون من السقف. وبعد أن فهمنا بأن الزوج رسّام، يأخذنا الحديث إلى منظومة العلاقات في العالم الفني وكيف تخنق المواهب. الزوجة من جهتها تكشف أنها كانت دائماً تطمح إلى النجاح الغنائي.

من خلال لعبة الإضاءة، يجري التخييل بأنهما انتقلا إلى عشاء يحضره فنانون. الزوج يقدّم زوجته إلى المشاهير، ينزل الميكرفون من السقف؛ إنها فرصتها. تغنّي بشكل سيئ للغاية، لكنه يمنحها شهادة كانت مخبأة (جاهزة) في جيبه.

في المشهد الموالي، يظهر الزوجان سكرانين، يتحدثان عن اختناقهما. تقول "البطلة لم أرد أن أظل زوجة صالحة"، تدخل البطلة في تحوّلات أزياء وكأنها تشير إلى تحوّلات اجتماعية متسارعة ومتناقضة في بعض الأحيان، من اللباس القصير إلى الحجاب.

في حركة خاطفة، تدخل الممثلة الكواليس ثم تظهر مرتدية النقاب. تلقي أمام زوجها خطاباً اتهامياً تكفيرياً، تقول "ليس لديك منظومة قيم تنتمي إليها" ثم تضيف "قرّرت أن أموت شهيدة.. لكن ليس وحدي"، يفكّر في الهرب منها، ضمن مشهد يحاكي فيه الممثلان بأسلوب ساخر مشهد الشرفة في مسرحية شكسبير "روميو وجولييت" في ممازجة بين العامية التونسية والعربية الفصحى.

أمام خطاب المرأة المتحوّل، يبدو خطاب الرجل مجرّد انفعال أمام المتغيّرات المتلاحقة، كما لو أنه أعفى نفسه من محاولة التغيّر، ما يولّد انفجاراً في آخر المسرحية حين يأخذ الزوج إحدى لوحاته ويعنّف بها شريكته ثم يتركها على الأرض مع اللوحة. يأتي صوت من الخارج، "إنهما زوجان ليس إلا، وهي نهاية سنة ليس إلا".

المساهمون