إيف أرنولد.. فتنة الحجاب وشفافية محيطه

إيف أرنولد.. فتنة الحجاب وشفافية محيطه

23 مارس 2014
من وراء حجاب..
+ الخط -


عامان مرّا على رحيل المصورة الفوتوغرافية الأميريكية إيف أرنولد (1912-2012) التي عمّرت قرناً كاملاً من الزمن، أمضت نصفَه خلف عدسة الكاميرا في التقاطِ صور لنجمات عالميات وأيضاً لنساء منطقتنا العربية البسيطات.


هذا ما يتجلّى في معرضِها "وراء حجاب"، الذي تحتضنه غاليري "كتارا (2)" للفن في الدوحة (يستمر حتى 12 نيسان/ أبريل)، وتقدّم الفنانة فيه دراسة بصريّة لنساءٍ عربيّات التقطت لهنّ صوراً قبل 45 عاماً، تتقصّى فيها طقوسهنّ التي يمارسنها في حياتهنّ اليومية وخلال المناسبات الاستثنائية، كالأعراس.

يبدأ المعرض بصورٍ أنجزتها أرنولد في صحراء دُبي لترتيبات زواج الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، ثم عمدت إلى نسجها على شكل فيلم في العام 1971. وفي هذه الأعمال، أمعنت الفنانة في التوغّل "وراء الحجاب"، مصوّرةً الطقوس النسوية التحضيرية للعرس التي تحصل خلف كواليس الزفاف وتلعب دور البطولة فيها خادمات العروس اللواتي نراهنّ يبرّجن النساء ويحنّين أيديهن، كما نراهنّ يضربن الرمال بخلاخيل أقدامهنّ رقصاً، تاركات شعرهنّ يلوّح مع الريح.

وتُركّز الصور على ملامح النساء البدويات، لتبدو كلّ واحدةٍ منهنّ واحةً بحدّ ذاتِها. فلباسهنّ الشعبي ذو الألوان الحارّة، كالبرتقالي والأحمر، يمنح شخصياتهنّ صورةً مُختلفة غير تلك المتداولة والمعروفة، إذ لم تسعَ أرنولد إلى مطاردة العباءات السوداء التي شكّلت صورة نمطية عن البداوة العربية، وإنما انحازت إلى ما هو ليس مألوفاً عن هذه البيئة التي تنعكس أحياناً قساوة مناخها على نفسية سكّانها ومظهرهن.


ومن الشقيات البدويات ننتقل في المعرض إلى نساءٍ مصريّاتٍ عاملات يغزلن النسيج أو ينقلن الطعام بمحاذاةِ النيل، داخل صور تُذكّر بما يُروى عن الأسطورة الفرعونية؛ حين كان الرجال يرمون النساء في النهر كقرابين كي يكفّ عن الفيضان. لكن في صور أرنولد، تبدو النساء رشيقاتٍ يحملن صُررَ الأكل ويضحكنَ مُتمايلات.

وتعكس هذه الأعمال الرؤية التي كانت تحملها الفنانة للمنطقة العربية وسعيها إلى تقديمِ فكرة مُغايرة عن المرأة العربية تظهر فيها عاملةً تجدُّ وتجتهد لبناءِ أسرتها. إذ بعد سلسلة من صور لنساء يعملن في أرياف مصر، نشاهد صورة لامرأةٍ يقف حولها زوجها وأبناؤها، وهي تسكبُ لهم الشاي.

أما المحطة الأخيرة من هذه "الرحلة" المثيرة داخل عالم المرأة الشرقية اليومي، فرصدتها أرنولد لأفغانستان، حيث بالكاد تختلف طقوس النساء في الأعراس عن تلك الممارَسة في الخليج؛ إذ نرى فتياتٍ يافعات يتمايلن على الرمل أيضاً، وعروساً تتجمع حولها الصبايا ليجهزنها؛ كما نرى المرأة العاملة التي تحوكُ القمصان وتعمل في النسيج وتربية الحيوانات.


لكن القاسم المشترك الأهم بين جميع النساء الشرقيات الماثلات في صور أرنولد هو الحجاب الذي يغطي رؤوسهن ووجوههن، ولا نجد أثراً له في الصور التي التقطتها الفنانة لمارلين مونرو ومارلين ديتريش وغيرهنّ من الفاتنات الهوليووديات.

وبالتالي، ثمة رسالة مسيّرة داخل صور أرنولد المعروضة حالياً ومفادها أن الفتنة لا تنحصر فقط في الوجوه المُتقنة التقاسيم والأجساد الممشوقة، بل في علاقة تلك الوجوه والأجساد بالبيئة المُحيطة بها التي تساهم من دون شك في تشكيل ملامِحها وجمالها الخاص..

المساهمون