ميسلون هادي.. الكتابة على طريقة بينلوب

ميسلون هادي.. الكتابة على طريقة بينلوب

01 اغسطس 2015
زينة عاصي، لبنان
+ الخط -

تنشغل الروائية العراقية ميسلون هادي في روايتها "سعيدة هانم ويوم غد من السنة الماضية"، الصادرة حديثاً عن "المؤسسة العربية للدراسات"، في حياكة سردها بصبر بينلوب. لكنها لا تأمل بحضور الذي ﻻ يحضر، ولا تشرد عن يأسها في إمكان تحقيق المرغوب، وﻻ في أن يتآلف طرفا النقيض.

يصير الشارع مألوفاً وآمناً كالبيت، ويصير المعلن في الكلام والسلوك ليس إﻻ تعبيراً جمالياً عن العميق الغامض في الروح اﻷنثوية، ويصير الرجل غنياً وموحياً بتعبيراته وإحساساته، ويملأ بجسده الثياب الخالية في لوحات مليكة، إحدى شخصيات العمل الرئيسية.

الشخصيتان المحوريتان للرواية هما سعيدة ومليكة. تعيش الأختان وحدهما في البيت، بعد أن هاجر الأخ الوحيد إلى كندا هرباً من المداهمات والاعتقالات. سعيدة هانم مدرّسة للغة العربية، متآلفة مع عالمها ولا تحلم إلا بدفاتر تلاميذها، بينما مليكة الرسامة روح حرة، تنفر من العالم وبشاعاته، وتختبئ في البيت فضاء تجلياتها وتحررها الذي تطرّزه بالأشكال والألوان.

النص محبوك إذن على توتر حميم وخفي بين حركتين وبين صوتين، إضافة إلى صوت الراوي الغائب الذي يؤثّث المداخل السردية ويحرسها، فلا يعود ممكناً عزل الماضي عن الحاضر، ولا الداخل عن الخارج، ولا توقّع زماناً خطياً في السرد الروائي.

يتحاور صوتا سعيدة ومليكة، يتناقضان ويتواءمان، وتحلم كل منهما بالذي يستحيل تحققه، وهو: أﻻ تعودا مرئيتين، هرباً من الشوارع المتوحشة والرجال أصحاب العيون المالحة "كعيون أطباء التشريح"، الأمر الذي لا يترك لهما مفراً سوى أن ترتمي كل واحدة في حضن عالمها الخاص، سعيدة تلجأ إلى التكيف والتوافق، ومليكة إلى لوحة الرسم.

ومع ذلك فإن الرجل، الذي ليس أكثر من طفل كبير أناني وشره ومشوه، والذي يغيب في النص غياباً مقصوداً، ليس إﻻ تأكيداً على حضوره الكثيف الذي يتحكم بقيم النص الروائي جميعها.

إنها رواية تُبنى على مراوغة جذرية، تعرفها وتقصدها الروائية منذ اختارت أن تكتب بلغة نثرية توحي أنها عفوية ومكتفية بدلالاتها المباشرة، لكي تخفي التدقيق والحرص الشديدين، ثم القصد واﻻقتصاد فيها، ولكي تخفي انفجارات المرغوب والمتخيل من تشابك التناقضات وتصادمها غير القابل للحل ولا التحويل، ومن تخميد اللغة الفصيحة الرسمية المكرّسة ومحمولاتها، فشحنها بمأثور الكلام العراقي المولود في المجاز، والولّاد للاستعارة والكناية.

تبدو الروائية هادي صاحبة "العيون السود" و"شاي العروس" كما لو كانت قلقة من قارئ روايتها، فلا تكتفي بالإشارات التي تنشرها في النص الروائي، إنما تقرر وتصرّح في آخر الرواية: أن مليكة ليست إلا الوجه الآخر لسعيدة، وإن الاثنتين إنما تنسجان معاً مرثيتهما للحياة.

دلالات

المساهمون