محمد الشوبي.. ليس فراراً من حرائق المسرح

محمد الشوبي.. ليس فراراً من حرائق المسرح

21 مايو 2015
لقطة من فيلم "صمت الذاكرة" الذي يجري تصويره حالياً
+ الخط -

في وقت يختار فيه العديد من المثقفين والفنانين الانزواء خلف اهتماماتهم، نجد الممثل المغربي محمد الشوبي (1963)، منخرطاً في مختلف القضايا الفنية والسياسية في المغرب. يكتب كثيراً على حائطه في الفيسبوك، يخوض سجالات عن الحرية والفن والكرامة وهموم المواطن المغربي. يقول لـ"العربي الجديد":

"أؤمن بدور المثقف في التغيير، كما أن الفنان مواطن وعليه الانخراط في شؤون بلده وتبنّي قضاياه والتنبيه إلى الأخطار المحدقة بالناس". ويرى أن "الفنان يتفوّق على المواطن العادي في التقاط الهموم والقضايا، إذ إن له قدرة على رصد كل الدقائق والتفاصيل، ثم وضعها في قوالب فنية لتقديمها إلى الناس، فمهمة الفنان الأساسية هي توعية الجمهور من خلال التواصل معهم عن طريق الفن".

قبل أن يصبح ممثلاً مسرحياً محترفاً، انطلق الشوبي من مسرح الهواة أواخر السبعينيات مؤدياً عشرات الأدوار مع مخرجين من أجيال مختلفة، مثل جمال الدين الدخيسي والطيب الصديقي ويوسف فاضل. ومع أواخر التسعينيات بدأ يخرج بعض المسرحيات، فبدأ بـ"هيستيريا"، ثم "المدينة والبحر" و"مرتجل" و"رسائل خطية".

بتجربة تجاوزت الثلاثة عقود من العمل في المسرح المغربي، على الخشبة كممثل وأمامها كمخرج، عرف الشوبي الكثير عن مشاكل المسرح المغربي ومفاصله وبالتالي أصبح قادراً على تشخيص أمراضه وتخبّطاته، وعن هذا يقول الشوبي:

"هناك ثلاثة عوامل تلخّص الأزمة. يتمثّل الأول في إضعاف البنيات التحتية في سنوات الثمانينيات والتسعينيات وتقزيم دور الشباب، رغم أنهم كانوا المصنع الحقيقي لمدّ الفرق المسرحية بالممثلين وصنّاع الفرجة، إذ لم يكن ثَم مدرسة متخصصة في التشخيص حتى سنة 1986. وكانت فرق الهواة تتفانى في حبّها للمسرح وتطوير تجاربها داخله، لكن السلطات قمعت هذه التجربة".

أما العامل الثاني، بحسب الشوبي، "فهو قرار دعم الفرق المسرحية الذي تبنته الدولة وكان يفتقر إلى تصوّر دقيق، وأصبح وبالاً على المسرح عوض أن يكون دعماً له"، ويضيف موضحاً: "ليس لدينا فرق مسرحية بالمفهوم الحرفي والهيكلي لفرق المسرح؛ كل ما لدينا هو جمعيات مسرحية لا يمكنها أن تعوّض الفرقة المسرحية بمعناها الحقيقي، وهكذا كان الدعم يذهب إلى جمعيات بمكاتب هشة وهياكل نفعية. فلكي تسوّق هذه الجمعيات عروضها تلجأ للجماعات المحلية لتشتري العرض ويدخل الجمهور بالمجّان. أصبح هذا الجمهور معتاداً على المجانية ويعزف عن ارتياد أي عرض بتذكرة. هنا تم كسر القيمة الرمزية للعمل المسرحي، وأصبح جمهوره يردد عبارة معتادة "تذكرة مجانية من أجل الحضور"، وهذا أساء إلى المسرح والعروض الفنية بصفة عامة".

هنا يستدرك الشوبي "من دون أن نعمم هذا الحكم، هناك جمعيات حقيقية تعمل من أجل المسرح وتنتج عروضاً قوية، لكنها قليلة جداً بالنظر لعدد الجمعيات العاملة في هذا الحقل".

أما العامل الثالث، فيتجلّى، وفقاً للشوبي، "في ضعف الإدارة المسرحية في المغرب، التي تفتقر إلى التأهيل، سواء داخل الوزارة الوصية أو الجماعات المحلية التابعة لها أو الفرق المسرحية نفسها، إذ ليس هناك رؤية تسويقية لعروض المسرح وقضاياه، وهناك تجاهل للفرق المسرحية الجادة، التي لا تستطيع تطوير تجاربها بفعل انعدام الفرص، وحتى إن وجدت فهي غير متكافئة".

بعد تجربته في المسرح، انتقل صاحب "رسائل خطية" إلى العمل في السينما والتلفزيون ووقف أمام الكاميرا في أفلام كثيرة بداية بمشاركته في فيلم "المسيح"، لسيرج مواتي (1999)، بعد ذلك سيظهر في أكثر من خمسين عملاً سينمائياً وتلفزيونياً، كـ"موت للبيع"، لفوزي بن السعيدي، و"موشومة"، للحسن زينون، و"السمفونية المغربية"، لكمال كمال، إضافة إلى مشاركات عالمية، منها "لعبة الجواسيس"، لطوني سكوت. يميّز الشوبي في الأداء بين المسرح والسينما قائلاً:

"يتطلّب المسرح طاقة كبيرة أثناء تشخيص دور معيّن، إذ يجب تطويع هذه الشخصية والقبض على تفاصيلها في كل لحظات العرض، أو سيجد الممثل نفسه تائهاً بين قوة التشخيص وضعف الإيقاع". ويرى أن "على الممثل أن يجد نسقه الإيقاعي الذي يمكّنه من تلبية تجاذب العرض ومسايرة وتيرته. أما في السينما، فعليه أن يشحذ كل طاقته لحظة الوقوف أمام الكاميرا. وهذا المجهود هو ما يظهر على الشاشة ويبقى موثقاً في الفيلم إلى ما لا نهاية، ولذلك تقع المسؤولية الأولى على الممثل ثم السيناريست ثم المخرج".

رغم الظروف التي يعيشها المسرح في المغرب وأزمته الكبيرة، يعتبر الشوبي أن انتقاله إلى السينما ليس فراراً من حرائق المسرح، ويقول: "أنا ممثل محترف، أشتغل مع الجميع في كل مجالات التشخيص المتوفرة؛ مسرح وسينما وتلفزيون، ولكل هذه المجالات نصيبها من الرداءة، فللمسرح مشاكله وللسينما مشاكلها وللتلفزيون معضلاته أيضاً"، مضيفاً: "أنا كممثل أقف في وجه الرداءة والإساءة إلى هذه الفنون، حتى وإن كنت أنا وراء ذلك، لأن الانتماء إلى هذه المجالات الفنية هو مهمة نبيلة تقتضي النزاهة أولاً".

المساهمون