سينما عربية تجديدية؟

سينما عربية تجديدية؟

20 يونيو 2016
(لقطة من "الوادي" لـ غسان سلهب)
+ الخط -

لن تكون المشاركة السينمائية العربية الجديدة، في الدورة الـ 69 (11-22 أيار/ مايو 2016) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي، سبباً وحيداً للتوقّف النقدي، مُجدّداً، عند المسار التصاعدي المتطوّر لصناعة السينما العربية، بدءاً من مطلع الألفية الثالثة هذه، على الأقلّ. أو بالأحرى لبعض أبرز نتاجاتها التجديدية.

ذلك أن التطوّر، الذي تشهده الصناعة هذه، يتّسم بجماليات بصرية مسحوبة على النصّ ومعالجاته الدرامية والفنية والبصرية، وعلى الأداء وإمكانياته التمثيلية على تعبير عفويّ وشفّاف ومتماسك، غالباً.

أما استخدام الأدوات الأخرى، كالتصوير والإضاءة والكادرات والتوليف والموسيقى والأزياء وغيرها، فلن يكون أقلّ أهمية في تحقيق هذا الفيلم العربي أو ذاك، أو في تحويل الصورة إلى إنجاز إبداعي، يُثير نقاشاً، لن يتغاضى عن متعة المُشاهدة أيضاً.

لكن المشاركة العربية في المهرجان تعيد طرح السؤال النقدي نفسه، علماً أنها تأتي بعد أشهرٍ على مشاركات أخرى، في أكثر من مهرجان دولي، كبرلين (شباط/ فبراير 2016) وتورنتو (آب/ أغسطس - أيلول/ سبتمبر 2015) مثلاً.

مع هذا، وبعيداً عنها، فإن نتاجات حديثة الصُنعة، تؤكّد ـ فيلماً تلو آخر، وإنْ يبقى الجدّي والصادم والسجاليّ أقلّ عدداً من المُنجَز كلّه ـ أن هناك ما يُشبه الـ "نهضة" المطلوبة، على الرغم من أن تعبير "نهضة" يحتمل تفسيرات ربما تكون غير دقيقة.

فالـ "نهضة" تعني مرحلة لاحقة لخمودٍ وانهيار مطلقين، بينما السينما العربية، أقلّه في الأعوام الأولى للقرن الـ 21، تقدِّم نماذج يُحتذى بها، شكلاً ومضموناً، وتسعى إلى إخراج النصّ السينمائي العربي من طغيان التجاريّ ـ الاستهلاكي البحت، الذي يعاني ـ بدوره ـ مأزق "الجماهيرية"، بعد سنين من براعة التجاري ـ الاستهلاكي هذا في "حشد" الجماهير لمصلحته.

فواقع الحال يعكس نوعاً من امتدادٍ، ولو متقطّع، لمحطات سابقة تشهد نتاجات، يفتح بعضها الأول أفقاً تجديدياً في كيفية مقاربة الحكايات والحالات، ويصدم بعضها الثاني على مستوى الاشتغال البصري والمعالجة الدرامية، المتوغلين معاً في أسئلة تتناول البنيان الاجتماعي ـ الثقافي ـ الاقتصادي ـ الفكريّ ـ الحياتي العربي، ويطرح بعضها الثالث أسماء سينمائيين شباب تعكس أعمالهم الأولى والثانية، غالباً، شعوراً بأن المقبل من الأيام سيكون حيّزاً مفتوحاً أمامهم لمزيدٍ من القول الإبداعي، المتعلّق بشتّى أنواع الأسئلة الإنسانية والحياتية العامّة والفردية.

يُمكن تحديد معالم الإنتاج العربي المتنوّع الأشكال والأساليب والمضامين، بالآتي:

1) يُصبح الفرد، بذاته وحكاياته وانفعالاته وأحلامه وأوهامه ومصائبه ومساراته والتباسات علاقاته وأحلامه ـ أوهامه المتنوّعة، نواةً جوهرية لحبكة درامية ومعالجة جمالية، في أفلام عديدة، تضع الصورة في واجهة المشهد، وتُخفِّف، قدر المستطاع، من حضور الكلام، وتجعل الفرد نفسه مرايا ذات وبيئة وحالات وجماعة، أحياناً.

2) تُصبح اللغة السينمائية أصيلة في بناء فيلميّ، لن يتوقّف عند حدّ على مستوى المواضيع والعناوين العامة، إذْ أن اللغة هذه تتماشى وسياق درامي ـ حكائيّ يتوغّل في النفس والبيئة والذاكرة، بالإضافة إلى التحوّل الحاصل في الاجتماع والثقافة والتربية والسلوك والعيش.

3) يُصبح التبدّل الملتبس والمعلَّق، لغاية الآن على الأقلّ ـ الذي يحدث في الجغرافيا والاجتماع العربيين منذ 5 أعوام ونيّف ـ أساسيّاً في نقاشات أو سجالات تتّخذ من السينما أداة قول وكشف وتفكيك. وهذا، إذْ يبقى ضرورياً في مواكبة المسار التاريخي للاجتماع والسينما معاً، لن يُقدِّم ـ دائماً ـ أفلاماً ذات جودة سينمائية رفيعة المستوى، علماً أن أهميته كامنةٌ في كون الأفلام كلّها مرآة تلتقط نبض الشارع، وتؤرّخ لحظته، وتؤرشف وقائعه بالصورة والصوت معاً؛ وفي أن التجديديّ منها قابلٌ لأن يؤسّس حالة سينمائية عربية مطلوبة.

لذا، تُصبح إعادة طرح الأسئلة هذه، الآن هنا، مدخلاً إلى نقاش جدّي لن يكون جديداً بالمطلق، بقدر ما يستكمل مساراً نقدياً يرافق عناوين صناعة عربية، يُراد لها تفعيلاً أكبر لحضورٍ، يُفترض به ألاّ يبقى أسير المهرجانات الدولية، أو العروض التجارية الغربية فقط، بل أن يعثر على مكانه الطبيعي في بلدان إنتاجه وقصصه وناسه.

وهذا، من دون تناسي عوائق عديدة لا تزال الأفلام العربية، التجديدية أو المختلفة أو "المستقلّة"، تعاني سطوتها عليها، أبرزها غياب سياسة توزيع عربي ـ عربي، بعيداً عن كل منطق تجاري استهلاكيّ؛ وغياب كلّ اهتمام جدّي وفعّال للشبكات التلفزيونية العربية بالإنتاج السينمائيّ المرافق لحركة تجديدية، تنضج فيلماً تلو آخر.

على الرغم من هذا، ستتحدّد أولوية المواكبة النقدية بمعاينة أفلام عربية جديدة، تمتلك لغة أخرى، وجماليات بصرية مثيرة لمتعة المشاهدة والقراءة.


المساهمون