النيروز: ربيعيّات تطالع حركة الأشجار



النيروز: ربيعيّات تطالع حركة الأشجار



26 مارس 2015
بطاقة معايدة بيوم النيروز (إيران)
+ الخط -

يحتار الشعراء الإيرانيون في وصف قدوم الربيع بين التأمل والعرفان والغزل والحكمة، ليعيدوا ترتيب أوراقهم. فالجمال، يظهر أمام عيني الشاعر ليعيد خلق المشهد من جديد، في يوم جديد، في حياة الأرض، هو النوروز.

تنوعت المدارس في الشعر الفارسي، وتتنوعت التقاليد الشعرية، لكن النيروز (النوروز في لفظه الفارسي) رافقها دائماً كموضوع رئيسي، إذ يكاد لا يخلو ديوان شاعر من قصيدة عنه. فالنيروز، من جهة، عيد قومي لإيران ولدول أخرى ويعتبر جزءاً من الموروث الثقافي، ومن جهة أخرى، هو فرح واحتفاء طبيعي بمظاهر الطبيعة.

منذ بداية القرن الرابع الهجري الذي يعتبر المرحلة الأولى في الأدب الفارسي، كتب الرودكي، المعروف بأبي الشعر الفارسي، أول قصيدة لوصف الربيع، وأصبحت كتابة هذا النوع من القصائد من بعده نموذجاً في الشعر الفارسي سمي "بهاريه" أو ما يعني بالعربية "ربيعية". 

ساعد انتشار المدرسة الخراسانية، وهي المدرسة الشعرية الأولى في الأدب الفارسي والتي دامت لقرنين تقريباً، على انتشار هذا النوع من القصائد، فمن أهم خصائص هذه المدرسة حبّ الطبيعة، حيث تغنى بها الشعراء وكان للنوروز النصيب الأكبر في هذه المرحلة، فبعد سنوات عادت مراسم هذا العيد بقوة بعد غياب تسببت به ظروف سياسية خاصة فكتبت أجمل "بهاريه" بقلم منوجهري دامغاني الذي قال: جاء النوروز مع الصباح/ قدومه فرح وعودته سلام/ الوجه شقائق حمراء/ وخصل الشعر سيوف.

لم تكن الشاهنامة لصاحبها أبو القاسم فردوسي إلا إحياءً لأساطير سابقة، كان أهمها إعادة تكريم عناصر الطبيعة، فلا يخفى على قارئها دمج ما هو موروث ومنقول شفهياً وما بقي بالفعل من طقوس، فتروي الأسطورة بحسب الشاهنامه أن الملك جمشيد، وهو أبرز ملوك الإخمينيين، قد اعتلى العرش فبدأ الربيع، وأعلن قيام النوروز.

مع القرن الخامس الهجري، أخذ العرفان والتصوف يلوّنان الشعر الفارسي، وتراجع الوصف، إلا أن مكانة النوروز لم تتراجع، بل أخذ حظه من العرفان وأحيط بالأسئلة ونسجت بحكايته ألف حكاية.

حتّى الشاعر سنائي، وهو أول المتصوفين في الشعر الفارسي، اتّبع سنن الأولين في قصيدة "بهاريه" المملوءة بالأسئلة والخفايا، تثور فيها عناصر الطبيعة أحياناً، وتسكر في أحيان أخرى.

ومع شيوع العرفان والتصوف اقترنت مفاهيم النيروز بهما، فأضاءت الإشارات نحو الولادة بعد الموت وارتقاء الروح، فنرى مولانا جلال الدين الرومي يشبه حركة الأشجار في النوروز برقص السماع.

أما سعدي الشيرازي فيمدح الربيع واصفاً الطبيعة ومازجاً إياه بالمفاهيم العقلية، فيقول إن الربيع هو تجلي لشباب الكون، وما تمايل الأغصان وأنغام الطيور إلا انسجام للطبيعة مع الخالق. من جانب آخر، فإن سعدي يعلو بالمحبوب فوق الربيع وينسب كل ما يحصل في الطبيعة لجماله.

عمر الخيام يدور في الطبيعة مع فلسفته، فيعلق عليها ما عُلّق من الزمان، فكيف لمن حدّد النوروز كنقطة بدء لتقويمه ألا يستولي على قسم كبير من رباعياته. أما حافظ الشيرازي فيختصر الأمر: ما هو المراد من رؤية الطبيعة/ سوى الوصول إلى مفاتيحك أيها الجمال.

المساهمون