الحنين إلى الطاغية

الحنين إلى الطاغية

09 مارس 2018
من غلاف صمّمه محمّد حجي/ مصر
+ الخط -

يرجّح أن يكون الإسباني رامون بايي دي أنكلان أحد المؤسسين لما يعرف بـ رواية الدكتاتور في أدب أميركا اللاتينية، بروايته "بانديراس الطاغية"، وقد سار على نهجه أستورياس في "السيد الرئيس" و ماركيز في "خريف البطريرك" ويوسا في "حفلة التيس"، إلى آخر ما هنالك من روايات تحكي عن الطغاة. وكادت تلك الروايات أن تؤسّس لتقنية روائية خاصة، تضمّ الكثير من التنويعات التي تنتمي إلى أدب سُمّي أدب الدكتاتور، مثل الملامح العامة للطغاة، وانعدام الرحمة والضمير في سلوكهم، والتهويل، والرسم الكاريكاتيري للشخصيات.

وفي المقابل، قرأت بعض المقالات التي تلوم الرواية العربية لخلوّها تقريباً من الأعمال التي تؤرّخ للوجود الاستبدادي في حياتنا السياسية للطغاة، من أولئك الذين استلموا الحكم، إلى أولئك الذين تزعموا الأحزاب المعارضة.

سيحتاج النقد العربي إلى العديد من التأويلات لمعرفة الأسباب دون الاستعجال في إلقاء التهم، فالملاحظ أن معظم الذين كتبوا عن الطغاة في أميركا اللاتينية كانوا يعيشون خارج بلدانهم، وهذا الأمر قد يخفف كثيراً من اللوم عن معظم الروائيين الذين يعيشون داخل بلدانهم، ولكن الحكاية الطريفة التي تسجّل على هامش هذا النقاش، هي أن يظهر بين الكتّاب العرب (ويمكن إضافة المواطنين) من يدافع عن دكتاتور غير عربي اشتهر بالقسوة المفرطة والسادية (على ذمة إريك فروم في كتابه "تشريح التدميرية البشرية") هو ستالين.

والقصة في غاية الغرابة. فلم هذا الحنين إلى ستالين؟ أليس في تاريخنا الغني بالمستبدين من يضاهي تلك الشخصية؟ ولكن ما الصفات التي تجعل الكاتب أو المواطن العربي يفتقدها لدى جميع السياسيين العرب في الماضي والحاضر كي ينتخب هذا الرجل من بين ساسة الأرض كلهم كأب وحام وأمل وأمنية ومثال لنا؟ الغريب أن لا يعير هؤلاء انتباهاً للنماذج العربية التي قدّمت أشكالاً متعددة من "إبداعات الطغيان".

واللافت أن الروس أنفسهم قلما يحنّون إليه. وسبق أن كتب إليا إهرنبورغ رواية تسجل زمن حكمه، وما بعد موته في رواية سماها "ذوبان الثلوج"، ودان الحزب الشيوعي السوفييتي في مؤتمره العشرين ممارساته الاستبدادية. وعممت أوصاف الطاغية على النشرات الحزبية، وأعلن مئات المثقفين الروس وغيرهم تنديدهم بذلك المستبد العجيب الذي طغى على ثلاث حقب من عمر بلاده.

ونفترض هنا أن الكاتب العربي لن يقول إن ستالين كان عاشقاً للحرية، أو أنه كان يدعو لأوسع مشاركة في نظام الحكم، إلى آخره. فستالين نفسه لم يتفاخر بهذا في أي يوم. ولم يقدّم نفسه للعالم، أو للشعب الروسي بأنه رسول الرحمة والشفقة والإيمان بقيم الحرية والكرامة الإنسانية.

لا ينفع التحليل النفسي هنا، فشخصيات الذين يعلنون مثل هذا الحنين إلى ستالين تنتمي إلى أعمار مختلفة، بينهم شبان وكهول، شعراء وعمال بناء، آباء وأبناء. ولا يفيد التنديد بشيء، فمعلنو تلك الآراء يتفاخرون بالسيد الغائب في القبر. ولأن القضية تصل إلى حد الشهوة، أي الشهوة إلى الطاغية، فليس من المستبعد أن يكون أي حاكم معاصر تمثيلاً محتملاً للغائب المثال.

المساهمون