ورش الإبداع: مائدة واحدة للكتابة

ورش الإبداع: مائدة واحدة للكتابة

08 ابريل 2015
تفصيل من "نقاش حاد" لـ سيمين فرحات / إيران
+ الخط -

في مقدمة كتابه "نزوة القصّ المباركة" يتساءل ماركيز: "لماذا جئنا إلى ورشة تعلّم الكتابة؟ جئنا لنتعلم تركيب قصّة وكيف تُحكى حكاية. لكن هل هذا شيء يمكن تعلّمه؟". يقول الروائي الكولومبي إن العالم ينقسم بين من يعرفون كيف تُروى القصص ومن لا يعرفون.

القصة تولد ولا تُصنَع، والموهبة وحدها لا تكفي. فمن يملك الاستعداد الفطري وحده يملك الشيء الأساسي، لكنه يفتقر إلى الصنعة والثقافة والتقنية والخبرة. هنا تأتي الورشة؛ فتقوم على مشاطرة التجارب والمشكلات والتحدث عن الحلول واتخاذ القرارات.

كان الشاعر المصري ياسر عبد اللطيف، صاحب "يونس في أحشاء الحوت"، من أوائل من قدّموا الورش الإبداعية في القاهرة. بالنسبة إليه، كانت تلك الفكرة مهمة لنقاشات أدبية كان يفتقدها. يقول: "كنت أستشعر أن هناك خبرة من الممكن أن تنتقل إلى شخص آخر.

وكانت خبرة ممتعة على مدار الموسمين اللذين عقدتهما في "الكتب خان" في القاهرة". وهنا يردف أنه، وعلى الرغم من أن الورش أقيمت في مكتبة في حي "المعادي"، فإنّها كانت مجانية: "لم نتلقَّ أي مقابل، لا أنا ولا المكتبة التي استضافتنا ونشرت الأعمال بعد ذلك".

أما الروائي محمد عبدالنبي، صاحب ورشة "الحكاية وما فيها"، فيبيّن لـ"العربي الجديد": "بدأت تجربتي مع ورش الكتابة برغبة في التعلّم كيف يمكن تبادل الخبرات حول أدوات وتقنيات الكتابة، ونلعب فيها لعبة السرد بكل جدية".

ويضيف: "أمّا كمتدرّب، فلي تجربة واحدة مع ورش الكتابة الأدبية، وأكثر من تجربة مع المسرح والسيناريو، لكن الأساس فيها جميعاً كان واحداً؛ وهو الخروج بالكتابة من مناطق غيبية، مثل الوحي والإلهام والموهبة، إلى مناطق مضيئة ومفهومة بدرجة أكبر، مثل العمل والالتزام والتطور والتعليم والتعلّم".

بعد ذلك، طوّر عبد النبي أسلوبه الخاص ووضع ما يشبه منهجاً استقاه من مصادر مختلفة، ولم يبتكر سوى بعض تمارين الكتابة والأمثلة الشارحة.

من جهته، بدأ الشاعر والقاصّ محمد خير التدريب في ورشة إبداعية عندما اقترَحَتْ عليه الناشرة كرم يوسف أن يشرف على ورشة لكتابة القصة القصيرة في "الكتب خان". عن ذلك يقول:

"لكل منّا حكاياته التي يمكن لها ألا تنضب أبداً، شرط أن يقيم صاحبها العلاقة المرنة بين "الفكرة" و"الحكاية". تلك العلاقة هي هاجسي الشخصي، وكانت كذلك موضوع الورشة.
 نقّبنا عن بذور الحكايات، رويناها وجرّبناها وراقبناها تنمو وتكبر وتتشابك. صنعنا مروحة أفكار واسعة في البداية وانتقينا بعضها، بدأنا نطوّر الأفكار ونخلق عالمها ونصل بها إلى مكان ما، وفي كل لقاء كانت الحكاية تتخذ أبعادها الجديدة". لكن خير يلفت إلى أن "الكتابة تظل أولاً وأخيراً عملاً فردياً، تلك حقيقة لا تنفيها "الورشة"، لكن لا شيء يمنع أن نستمتع بالتجربة".

رغم انتشار الورش الإبداعية والإقبال عليها، إلّا أن هناك من يحتفظ بفكرته عن عدم جدواها، مثل الروائي أحمد عبداللطيف الذي يعتقد أن "الكاتب يولد كاتباً، بعض الكُتّاب يكتشفون ذلك مبكراً، وبعضهم يكتشفه متأخراً. بناءً على وجهة النظر هذه، لا أعتقد أن ورش الكتابة تصنع كاتباً، بل تفعل ما تفعله القراءة: تفتح الأفق، تربط فن الكتابة بفنون أخرى، تخلق نوعاً من الأرق أمام التقنية، تكوّن تصوراً فنياً أو عدة تصورات. قد تفيد الورشة في تعليم التقنيات القصصية والروائية، لكن من دون وجود الموهبة، لن يفيد ذلك حتى لو تمكّن المتدرب من الكتابة".

الناشر محمد البعلي، صاحب "دار صفصافة"، يتفق مع عبداللطيف في أن سلبيات ورش الكتابة تتفوق على أي إيجابيات، ويوضح أن وجود الإبداع ضمن مسمى هذه الفعاليات يناقض طبيعته بالأساس، فالإبداع يعني التفرّد والخلق، بينما تقوم هذه الفعاليات على التدريب والتأهيل، إلى جانب التناقض الاسمي هناك تناقض فعلي؛ فالإبداع شيء لا يمكن تعليمه. أما التنميط، فهو الجانب السلبي الرئيس لهذه الفاعليات؛ ما يدفع بأعمال المشاركين في اتجاه نماذج كتابة محددة.. وطرق كتابة معروفة.

ولكن كيف يفكر المتدربون أنفسهم في هذه الورش؟ تبيّن القاصة إيمان عبد الرحيم، التي التحقت بورشة مع الكاتب يوسف رخا، أن الكتابة، كأي فن، تحتاج إلى تعلّم حتى مع توفّر الموهبة، كما هو الحال مع عزف البيانو مثلاً، مضيفة أن أهمية الورشة في إلزام الكاتب بإطار زمني معين، ما يؤثر إيجابياً على مهارات الكاتب.

أمّا الكاتبة أريج جمال، صاحبة "مائدة واحدة للمحبة"، والتي التحقت بورشة تحت إشراف الكاتب العراقي عباس خضر، فتصف الورشة بـ"العصا التي مرّرتُ من خلالها السحر إلى الكتابة، لا أقصد على مستوى النص فحسب، إنما على مستوى أكثر شمولاً وعُمقًا، فهمت كيف أن الكتابة هي ابنة الحياة، أن نحاول جعل هذه الابنة مُدللة ومتمتّعة بحُرية التجريب واللعب وعدم الخوف من الكتابة".

المساهمون