عسكرة السينما أم تطبيعها؟

عسكرة السينما أم تطبيعها؟

04 أكتوبر 2015
لقطة من "مدام كوراج"
+ الخط -

قضى صاحب "عمر قتلاتو" أسبوعاً عسيراً، بعدما طاولته سهام النقد اللاذع من كلّ جهة. في البداية، فضّل تجاهل خبر مشاركة فيلمه الجديد "مدام كوراج" في "مهرجان الأفلام الدولي" في مدينة حيفا المحتلّة.

هكذا، لم ينشر مرزاق علواش أيّة إشارة إلى الموضوع على صفحته في "فيسبوك"، على غير العادة حين تُشارك أفلامه في مهرجانات سينمائية. بعد ذلك، أنكر الخبر في تصريح لـ "الإذاعة الجزائرية"، واعتبر أنه عارٍ من الصحّة، مؤكّداً أن كلّ فريق العمل موجود في الجزائر.

فعلاً، لم يذهب أيٌّ من الفريق إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي. لكن الفيلم نفسه، الذي أُنتج بشراكة جزائرية فرنسية، ذهب إلى حيفا وعُرض مرّتين في المهرجان الإسرائيلي، مُرفقاً بترجمة عبرية.

ربّما فات صاحبَ "نورمال" أنه لم يعد بالإمكان إخفاء المعلومة في زمن الشبكات الاجتماعية. فمنذ أن كشف الصحافي يوسف بن زطاط عن الخبر على مدوّنته الشخصية، أخذت القضيّة تتفاعل إعلامياً، مثيرةً استياء الرأي العام الجزائري. حينها فقط، أطلّ علواش على صفحته ليتحدّث عن "حريّة التعبير والإبداع" ويُندّد بـ "تكميم الأفواه".

نشر المخرج مقالةً طويلة على حسابه الشخصي، ندّد فيها بـ "الهجمة" التي قال إنه يتعرّض لها، مُعتبراً أن مشاركة فيلمه، مؤخّراً، في "مهرجان فينيسيا السينمائي" لم تُثر اهتمام أحد، رغم أنه كان الفيلم العربي الوحيد المشارك في التظاهرة السينمائية الدولية، بينما انتبه الجميع إلى مشاركته في المهرجان الإسرائيلي. تحدّث علواش، أيضاً، عن "نضاله السينمائي" وعن رفضه لمنطق "عسكرة الفن والسينما" و"سياسة الحزب الواحد".

كان يكفي أن يرفع عناوين حريّة الإبداع والتعبير و"معارَضة" السلطة، لتنهال عليه موجات العطف والتأييد من مخرجين جزائريين وأجانب، ومن معلّقين اعتبروا أن "إسرائيل ليست سوى مشجبٍ تُعلَّق عليه رغبة النظام في تكميم الأفواه".

لعلّ من المفيد، هنا، التذكير بأننا لم نسمع، من قبل، بتعرّضه إلى مضايقاتٍ بسبب توجّهاته الفنّية أو السياسية، كما لم نسمع بمنعه من تصوير أو عرض أيّ من أفلامه التي تتوالى مع كلّ سنة. الحقيقة أن علواش يصوّر ويعرض أفلامه في الجزائر ويشارك بها في مهرجاناتها السينمائية. وعادةً ما يحصل على تمويل سخي من وزارة الثقافة الجزائرية، كما في "مدام كوراج" الذي شاركت في تمويله بستمائة ألف يورو.

مهما يكن، أعادت القضيّة إلى الواجهة مسألة مشاركة أفلام أُنتجت بتمويل حكومي جزائري في مهرجانات سينمائية مطبّعة مع "إسرائيل"، أو في "إسرائيل" ذاتها، والتي أُثيرت، مرّتين، هذا العام.

الأولى في أيّار/ مايو الماضي، حين أعلن المخرج الشاب إلياس سالم برمجة فيلمه "الوهراني" في "مهرجان البحر المتوسّط" في إسدود، معبّراً عن فرحته بذلك وأسفه لعدم التمكّن من السفر إلى دولة الاحتلال، قبل أن يعود ويسحبه في اللحظة الأخيرة، بعدما قوبلت خطوته بانتقادات من الرأي العام ووزارة الثقافة (موّلت الفيلم بنسبة 21%) التي ندّدت بتصرّفه، معتبرةً أنه يتنافى والموقف الرسمي الجزائري.

أمّا الثانية، فكانت في آب/ أغسطس الماضي، عندما شارك سينمائيون جزائريون (من بينهم علواش نفسه) بأفلام موّلتها وزارة الثقافة في "مهرجان لوكارنو السينمائي" في سويسرا، رغم دعوات مقاطعة التظاهرة التي أُقيمت بالشراكة مع "وزارة الخارجية الإسرائيلية".

يرى علواش أن "مشاركة فيلم ما في أي مهرجان، حتى وإن كان إسرائيلياً، لا تُلزم الجزائر، لأن الدعم المقدّم غير مرتبط بمقاييس البث الدولي". لكن وزارة الثقافة كان لها رأيٌ آخر.

قبل يومين، أعلن وزير الثقافة عز الدين ميهوبي عن إدراج مادّة جديدة تتيح لوزارته "حقّ منع الأفلام من المشاركة في بعض المهرجانات، بغضّ النظر عن نسبة التمويل".


اقرأ أيضاً: مرزاق علواش: إدمان التطبيع

دلالات

المساهمون