الخروج عن الموضوع

الخروج عن الموضوع

10 فبراير 2017
تجهيز لـ تيسير البطنيجي / فلسطين
+ الخط -

كانت هذه الجملة من أكثر العبارات التي تعبّر عن نزق مدرسي اللغة العربية من ارتكاب الطلاب لواحدة من "الكبائر" التي لا تُقبل عادة في الكتابة الإنشائية المدرسية. وهي أن يكون أحدهم قد كتب أفكاراً خارج الموضوع المقرر. وقد يكلّف الأمر الطالب، إذا ما انزلق في الامتحان النهائي إلى هذه الخطيئة، سنة دراسية كاملة، تظهر كنتيجة منطقية لغياب التركيز، بينما تحمل في طياتها الجوانية عقاباً خفياً على المخالفة التي لا تُغتفر للمقرر.

لا يفكّر المدرّسون البتة، أو لا يسمح لهم في التقاليد المدرسية العربية، بالتعامل الحر مع الفكرة الجديدة التي قد تكون أكثر حيوية وتجديدا من العناصر المحددة. ومن النادر أن تسمع، في أي وقت، مدرساً يتحدث عن طالب مختلف كتب أفكاراً جديدة تختلف عن الإملاءات التي تقررت من قبل في دفتر المادة.

يبدو هذا النهج المدرسي عنواناً للحياة السياسية والفكرية العربية عامة. لا في سلوك السلطة وحدها وحسب، بل في السلوك الاجتماعي أيضاً.

وفيما يمكن أن تنقص درجة الامتحان المدرسي، أو يرسب الطالب في صفه، باتت الحكومات تحيل الخارجين على الموضوع إلى المحاكم، أو صارت القوى المسيطرة في المجتمع تعمل على معاقبة الأفراد الذين يعلنون أي "عصيان"، أو عزلهم وملاحقتهم.

وهناك من يمنع ويجرم الخروج على الحاكم بوصفه موضوعاً، وشرطه أن يكون الحاكم ظالماً، ولكن من الذي يحدد عناصر الظلم، كي يسمح بعد ذلك بالخروج عليه؟ ومن يقرأ الفتاوى في هذا الباب يدهشه أن أصحابها لا يزالون يمنعون الخروج على الحاكم، عبر الإكثار من "العناصر" المطلوبة.

وفي هذا السياق تندرج الملاحقات التي يتعرض لها الكتَّاب في العالم العربي. وهذه المقالة مكرسة للدفاع عن الكاتب لا عن الكتب. ففي سياقات المنع والمحاكمة التي تجري في العالم يلحق الضرر الأكبر بالكاتب، أكثر مما يلحق بالكتب. وقد أثبتت الوقائع أن معظم الكتب التي منعت نالت شهرة أكثر بكثير من تلك التي سمح لها بالوصول إلى القراء. وقد استمرت كتب ابن المقفع في البقاء، بينما قُتل الكاتب بواحدة من أكثر أساليب التصفية الجسدية بشاعة.

وقريب من هذا ما حدث لنجيب محفوظ الذي كاد يقتل. أما الكاتب اليمني وجدي الأهدل فقد اعتقل بسبب روايته "قوارب جبلية". وفيما كان الأهدل يعاني في الزنزانة، كانت الرواية تتحرر في الأرض العربية. وظل سلمان رشدي مختفيا بضع سنوات، خائفا من أن يُغتال على يد أحد المتشددين ممن قد يفكرون في تنفيذ فتوى الخميني ضده، بينما امتلكت روايته كل الحرية في الانتشار.

وفيما تصادر النيابة العامة النسخ الموزعة في مكتبات المدن الفلسطينية من رواية عبّاد يحيى "جريمة في رام الله". ترحل الرواية في العالم العربي، وفي العالم المثقف على الأرجح. غير أن الخشية هي على حرية الكاتب وحياته.

وإذا كانت حملات الدفاع عن الرواية، وعن حرية التعبير، ضرورية، فإن الدفاع عن حرية الكاتب وسلامته، أكثر ضرورة. فحرية التعبير لا معنى لها البتة، دون حماية أصحاب الأقلام الذين يمنحونها القيمة.


دلالات

المساهمون