ميلان كونديرا: صعوبة أن يكون المرء تافهاً

ميلان كونديرا: صعوبة أن يكون المرء تافهاً

07 يناير 2015
تصوير: جان بيار كوديرك
+ الخط -

منذ ثلاثة عشر عاماً لم ينشر ميلان كونديرا (85 عاماً) رواية جديدة، علماً أن اسمه ما برح يتردّد كل عام، قبيل الإعلان عن جائزة نوبل للآداب كأحد مرشحيها. لكن صاحب "الحياة هي في مكان آخر" خرج عن هذا "الصمت" الأدبي العام الماضي، مصدراً عمله الروائي الجديد "حفلة التفاهة" الذي صدرت ترجمته العربية أخيراً عن "دار المركز الثقافي العربي"، بتوقيع المترجم السوري معن عاقل.

يرصد صاحب روايتي "البطء" و"المزحة" في هذا العمل الأحداث التي يظهر للوهلة الأولى بأنّ لا معنى لها أو دلالة، والتي تجري خلال حفلة كوكتيل في عيد ميلاد يجمع أبطال الرواية. الشخصيات الأساسية في "حفلة التفاهة" هم أربعة أصدقاء: ألان، ورامون، وشارل، وكاليبان. يسرد كل من هؤلاء قصصاً قرأها أو حدثت، بحيث يظهر أنها مجرد تفاصيل لتزجية الوقت وليست ذات قيمة. مثل أن تروي إحدى الشخصيات حكاية حول الزعيم السوفييتي ستالين، مفادها أنه ذهب في رحلة صيد ووجد أربعة وعشرين حجلاً على شجرة، وبما أنه لم يكن يملك غير اثنين وعشرين طلقة في بندقيته، قنصها وعاد ليجلب طلقتين فوجد الحجلين في انتظاره.

يدعو كونديرا قارئه في هذه الرواية إلى حفل تفاهة صاخب، يعرض من خلاله أهمية التفاهة في تشكيل تفاصيل حياة الناس العاديين؛ إذ يقول في وصف أحد أبطاله: "لم يفهم شيئاً، لم يزل حتى اليوم لا يفهم شيئاً عن قيمة التفاهة". لكنه يعود في نهاية الرواية بنظرةٍ دقيقة لهدم كل الحكايات التي بدت للوهلة الأولى بأن لا معنى لها، كالفرق بين التفاهة والفكاهة مثلاً، إذ إن ما يبدو تافهاً قد يكون فكاهةً في الحقيقة، لكن المتلقّي لا يملك روح الدعابة لاستقبالها على النحو التي بدت عليه، "فالدعابة الحقيقية لا يمكن تصوّرها من دون روح دعابة لا نهائية"، يستشهد صاحب "الخلود" بهيغل.

ويكمل الروائي على لسان ستالين فهمه للأوجه التي يمكن من خلالها إصدار حكم على حادثة أو تصرّف بأنه تافه أو ذو قيمة، فيعتبر أن "هناك من التصورات عن العالم بقدر ما يوجد من أشخاص على الكوكب، وهذا يخلق الفوضى حتماً". ويخلص، في النهاية، إلى حلّ تعسفي مستوحى من شخصية الديكتاتور: "الحل لترتيب هذه الفوضى فرض تصوّر واحد على جميع الناس".

يختم كونديرا الرواية بتذكّر الأحداث التي رواها في عمله هذا، وبدت للوهلة الأولى تافهة، ويلبس واحدة منها فكرة تقود القارئ في النهاية إلى العودة من جديد لقراءة الرواية والتدقيق أكثر في دلالة كل حكاية وفي الأفكار التي يمكن أن تحملها، فربما يجد معنى لم يظهر في القراءة الأولى، إذ إن مبدأ الشيء في ذاته، للفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الذي يستشهد به كونديرا، ما زال حاضراً، ويقول "وراء تصوراتنا ثمة شيء موضوعي لا يمكننا معرفته، إلّا أنه مع ذلك موجود".

المساهمون