"الفيلم البرازيلي": ماضي وراهن بلغة السينما

"الفيلم البرازيلي": ماضي وراهن بلغة السينما

29 اغسطس 2016
(من فيلم "هناك أم واحدة فقط")
+ الخط -

تتُشكّل صالة سينما "متروبوليس" في بيروت، منذ تأسيسها قبل عشرة أعوام، مساحة إبداعية لتقديم نتاجات سينمائية مستقلّة، ولاستعادات كلاسيكية مختلفة. هذا شرطها منذ البداية، ونواة اشتغالاتها السينمائية.

تتعاون الصالة مع موزّعين مستقلين أجانب، ومراكز ثقافية غربية تعمل في العاصمة اللبنانية، وتستضيف مهرجانات وأسابيع سينمائية متخصّصة بشتّى أنواع المسائل الإنسانية والثقافية والفنية. توفّر للمهتمين بالفن السابع فرصاً عديدة للمتابعة والاطّلاع على كل جديد ممكن، من دون تناسي "تُحفٍ" قديمة، راسخةٍ في الوجدان والذاكرة والثقافة السينمائية.

في هذا السياق، تُنظِّم "جمعية متروبوليس"، بالتعاون مع "المركز الثقافي البرازيلي" و"السفارة البرازيلية في بيروت"، مهرجاناً سينمائياً خاصّاً بالأفلام البرازيلية، في دورة أولى، تُقام بين 31 آب/ أغسطس وحتى 3 أيلول/ سبتمبر 2016. والمهرجان الجديد إضافة نوعية للجمعية، المشرفة على صالة سينما "متروبوليس"، كما على برمجتها ونشاطاتها، والمهتمة بالسينما المُنتجة في بلدان أميركا اللاتينية، اهتمامها بسينمات أوروبية وعربية ولبنانية متنوّعة، تختلف عن السائد التجاري ـ الاستهلاكي.

في هذه الدورة الأولى، تُعرض أربعة أفلام روائية طويلة، مُنتَجَة بين العامين 2014 و2016، بالإضافة إلى فيلمين قصيرين، يرويان حكايتين لبنانيتين لهما علاقة بالبرازيل: "مناشدة" (روائي، إنتاج لبناني برازيلي، 2016) لبشارة مزنّر، "يتجوَّل" في شوارع "كوباكابانا". في حين أن وقائع "لبنان يربح كأس العالم" (وثائقي، إنتاج لبناني أميركي، 2015) لطوني الخوري وأنتوني لابيه، فتجري في بيروت، وتروي حكاية مقاتِلَين لبنانيين سابقين يلتقيان، بعد سنين طويلة على انتهاء الحرب الأهلية، عشية إحدى المباريات الأساسية في بطولة "كأس العالم" لكرة القدم، عام 2014. يُعرض الفيلم الثاني في المهرجان السينمائي البرازيلي، لأن المقاتِلَين السابقين (أحدهما منتمٍ إلى "الحزب الشيوعي اللبناني"، والآخر إلى "حزب الكتائب اللبنانية") يشجّعان المنتخب البرازيلي، وهما شاهدا مباراته الدولية، في بطولة "كأس العالم 1982"، لكن كلُّ واحد منهما في معسكره.

يستند الروائي القصير إلى قصة حقيقية، بطلها لبناني يتجوّل في شوارع المدينة البرازيلية ليلاً، بحثاً عن صرّاف آلي. تجوالٌ يضعه أمام تحدّيات، ويدفعه إلى اكتشاف بعض المبطّن فيه، وفي ذاكرته وذكرياته، ويجعله في مواجهة ذاته أيضاً. أما المشترك بينه وبين الوثائقي اللبناني، فكامن في كون الحكايتين واقعيتين، وفي كون أبطالهما أناساً يروون بعض مجريات أحداثٍ، عامة وخاصّة، هم شهودٌ عليها، بل هم وقودها ورواتها ومجرّبوها، والعائشون تفاصيلها ومناخاتها ومساراتها وتحوّلاتها.

وإذْ يرتبط الروائي القصير بتفصيل ذاتيّ بحت، فإن الوثائقي القصير يستعيد فصولاً من أعوام الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، عبر مقاتِلَين اثنين يتواجهان، بشكل غير مباشر، أثناء اندلاع المعارك، ويتذكّران ـ في الراهن اللبناني ـ "المباراة البرازيلية" في ظلّ الاجتياح الإسرائيلي للبنان (حزيران/ يونيو 1982)، ويبوحان بقناعات قديمة بالتزاماتهما، ويقولان وجعاً وخيبة آنيّتين.

لن تكون الأفلام الروائية الطويلة البرازيلية بعيدة عن وقائع العيش، إما في قلب الحدث، أو في مواجهته. ولن تكون واقعية الحكايات أو متخيّلها ذات أهمية، لأن الواقعية تعكس شيئاً من مرارة الحياة وقسوتها، والمتخيّل مستمدٌّ، بطريقة أو بأخرى، من الواقع نفسه. كأن الواقعيّ منبعٌ لامتلاك هذا الفيلم أو ذاك حيويته الإبداعية والإنسانية والجمالية، أو كأن المتخيّل مصنوعٌ بلغة سينمائية، كي يرتفع بالواقع إلى مرتبة الصورة الحسية، التي تقول شيئاً من حقائق العيش ويوميات الناس العاديين.

الافتتاح معقودٌ على "قلب الجنون" (2015) لروبرتو برلينر (1957). قصة حقيقية لـ نيزي دا سيلفييرا، العاملة في مستشفى للاضطرابات النفسية والعصبية، في خمسينيات القرن العشرين، في البرازيل. امرأة تُحدث انقلاباً، وتفرض طريقة عمل مناقضة للسائد، إذ ترفض اعتماد العنف كوسيلة لعلاج يهتمّ بالنفس والروح (بطولة غلوريا بيريس). يليه "أيتام إلدورادو" (2015) لـ غيلّيرمي كويلّو (1979): عن رواية للكاتب البرازيلي، اللبناني الجذور، ميلتون حاطوم (1952)، يتابع الفيلم سيرة رجل يفقد عقله وميراثه، ويتوه في الدهاليز العميقة والمتاهات الواسعة في منطقة الأمازون. ثم "منزل كبير" (2014) لفيليبي غمّارانو بربوزا (1978): مراهقٌ يسعى إلى الخلاص من سطوة والديه اللذين يرعيانه بـ "حنانٍ وانتباهٍ قاسيين"، في مرحلة بلوغ الأسرة كلّها حافة الإفلاس.

الفيلم الأخير: "هناك أم واحدة فقط" (2016)، أو "من عائلة إلى أخرى" (كما العنوان الفرنسي)، لـ آنّا ميولايرتي (1964). حكاية مراهق يعيش حريته المطلقة، الممنوحة له من والدته، في شوارع ساو باولو. لكن اختباراً طبياً (DNA) يكشف أن الولد "مسروقٌ" عند ولادته، تماماً كشقيقته. عندها، يبدأ رحلة البحث عن عائلته البيولوجية، لاستعادة اسمه، ومعرفة حكايته.

دلالات

المساهمون