إيناس مصالحة.. الأوبرا من زمن إلى آخر

إيناس مصالحة.. الأوبرا من زمن إلى آخر

19 نوفمبر 2016
(مصالحة في أحد عروضها، تصوير: فادي عبد الله)
+ الخط -

"الأوبرا" بتتكلّم عربي" هو عنوان محاضرة قدّمتها مغنية الأوبرا الفلسطينية إيناس مصالحة في حيفا، المدينة العربية المحتلة عام 1948، استعرضت خلالها تاريخ فن الأوبرا، والاختلاف على بداياته، وكيفية تطوّره وتأثرع بعوامل حضارية متعدّدة، ومنها تأثيرات شرقية بالطبع.

كما تطرّقت الفنانة التي انطلقت تجربتها الموسيقية قبل ثمانية عشرة عاماً، إلى غنائها الأوبرا باللغة العربية، في المحاضرة التي قدّمتها في "مقهى فتوش"، ضمن زيارتها إلى المدينة، قادمة من لندن محلّ إقامتها منذ عامين.

إيناس المولودة في بلدة دبورية قرب مدينة الناصرة عام 1979، عادت إلى تعريف الأوبرا باعتبارها فكرة موسيقية "موتيف"؛ عملا دراميا ضخما جداً يضمّ مغنين وراقصين وعازفين وجوقة ومخرجا على المسرح، يقف خلفهم طاقم تقني من وراء الكواليس يتولّى ضبط الأزياء والماكياج وغيرهما.

بدأت الأوبرا في القرن السابع عشر، على أن تُؤسّس كل أوبرا على قصة تُسمّى "ليبيرتو"، والتي تعني الكتاب الصغير، يؤّلف الملحن مقطوعاته بناء على تسلسلها ثم يختار أصوات المؤدّين لها، وفق مصالحة.

توقّفت المحاضِرة عند تغيّر أساسي حدث في منتصف القرن الثامن عشر حين دخلت المرأة عالم الغناء الأوبرالي بعد منع طويل، إذ استبدلت أصوات النساء بمجموعات رجال "مخصيين" ("ساكريفيسيوم") يؤدون الغناء بصوت عالٍ، وكانت تتمَ عملية الخصي قبل سن البلوغ لكي يحافظوا على أصواتهم قبل ان تغلّظ، ورغم السماح للمرأة بالغناء إلّا أن ظاهرة غناء "الخصيان" لم تنته تماماً إلّا بموت آخر مغنٍ منهم وهو أليساندرو مورسكي عام 1922.

جمعت الأوبرا كل الفنون الموجودة في زمن نشوئها، وارتبطت بالرؤى والأفكار الكبرى التي يعبّر عنها المجتمع الأوروبي، ويظهر ذلك في أكثر من عملٍ يعكس النظرة إلى الآخر أو المرأة، كما لفتت مصالحة التي عرضت في محاضرتها مقاطع فيديو من "أوبرا صيادو اللؤلؤ" لجورج بيزيه (1838- 1875) التي ظهر فيها الآخر بوصفه كل الشعوب غير الأوروبية.

لفتت الفنانة الفلسطينية إلى جملة تأثيرات موسيقية شرقية؛ عربية وهندية وتركية، استلهمها الأوبراليون، رغم أن أعمالهم كانت تحمل صورة مغلوطة ومليئة بالتشوّهات عن مجتمعات الشرق، كما يتضح ذلك في "أوبرا اختطاف من الحريم" لـ موتسارت، لكنها كانت محاولة أولى لمعرفة: "كيف يمكن ان تَسمع أوبرا الآخر؟".

استعادت مصالحة مشهداً من عمل ثانٍ هو "أوبرا دليلة وشمشون" لـ كامي سانت صانز (1835 – 1921)، عندما استخدم في بداية العمل مقام حجاز كار، ثم موسيقى تركية عزفت على آلة الكاستنيت الإسبانية.

انتقلت إلى الحديث عن أول مشروع عربي ساهم في إيجاده الخديوي إسماعيل عام 1871، ببنائه دار الأوبرا في القاهرة، ليؤدّي الموسيقار فيردي عملاً خاصاً لافتتاحها وهو "أوبرا عايدة"، لقاء مكافأة مجزية.

حول تجربتها، أشارت إلى أنها قدِمت إلى عالم الأوبرا من تربية وأذن شرقية اعتادت تطريباً مختلفاً، وأنها كانت "تلعب وتضحك أول الأمر، حتى أيقنت أن الجدية والالتزام وتراكم الجهود هو سبيلها الوحيد إلى النجاح"، تقول مصالحة.

رغم قلّة التجارب العربية البارزة في هذا المجال، نوّهت الفنانة الفلسطينية بفنانين عرب قدّموا أعمالاً لافتة، ومنهم الملحن المصري محمد فيروز، والموسيقية اللبنانية البريطانية بشرى الترك التي اشتركت معها في أكثر من عمل، ومواطنها زيد ملتقى الذي مزج الزجل بألحان غربية.

قد لا نجد مقولة تلخّص مسيرتها أكثر من كلمات الشاعر الفلسطيني المقيم في إيطاليا مصطفى قُصقصي: "إيناس، مغنية أوبرا عالمية قادمة إلينا من سفرٍ مبهرٍ في التراث الموسيّقي الغربي والشرقي لتهدينا من ألق صوتها ولتنشد بلغات عدّة الطرق الكثيرة التي تفضي إلى الروح بمختلف تجلياتها الإيمانية، بيأسها ويقينها، بفرحها وبصخبها وسلامها وبشوقها الدائم إلى التصالح مع الكون".

دلالات

المساهمون