القدس: 24 ساعة من الاستيهامات الصهيونية

القدس: 24 ساعة من الاستيهامات الصهيونية

03 يوليو 2014
+ الخط -

مقاطعة شعبيّة ومؤسساتيّة فلسطينية واسعة يواجهها مشروع وفيلم "24 ساعة في القدس" (2014) للمخرج الألماني فولكر هايزه، الذي عرض على مدار 24 ساعة في "المركز الثقافي الفرنسي- الألماني" في رام الله، لجمهور لا يتجاوز عدده الأربعة موظفين، تناوبوا على تمضية هذه العقوبة حتى السادسة من صباح اليوم الخميس.

وكانت هيئات ونقابات فلسطينية قد دعت إلى "التظاهر السلمي ضد عرض الفيلم"، ودعت "المركز الثقافي" المذكور إلى التراجع عن عرضه لأنه مشروع تطبيعيّ،  يصوّر القدس موحّدةً تحت السيادة الإسرائيلية، كما جاء في البيان الذي وزّعته أول أمس، لكن أحداً لم يكترث لهذه الدعوة في ظلّ التصعيدات والمواجهات الكثيفة التي تشهدها غالبية المدن الفلسطينيّة، ما أدى إلى عرض الفيلم في النهاية. ولعلّ مرور هذا المشروع يُشير إلى خللٍ في عمل حملات المقاطعة في فلسطين المحتلة، لاعتمادها نهج الفزعة الشعبيّة في مواجهة مشاريع من هذا النوع. في حين ينشغل بعض أعضاء "حملة المقاطعة الثقافيّة والأكاديميّة لإسرائيل" بتلبية دعوات السفر حول العالم.

 لم تكن الدعوة لمقاطعة العمل الذي يستلهم فكرة وتجربة شريط "24 ساعة في برلين" جديدة أو طارئة، فقد بدأت دعوات المقاطعة حين أُبلغ المشاركون الفلسطينيون بوجود طاقم "إسرائيلي" سيصوِّر في نفس الوقت الذي يصورون فيه، أما عمليات المونتاج، فستجري في ألمانيا.

كان ذلك في أيلول/ سبتمبر 2012، قبل ثلاثة أسابيع من انطلاق التصوير، إذ استجاب عدد كبير من المشاركين الفلسطينيين لدعوة "حملة المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل" إلى الانسحاب، ما أدّى إلى تأجيل التصوير لمدة تجاوزت العام ونصف العام.

أثناء ذلك، كان صنّاع الفيلم يقيمون المفاوضات الهزلية مع الفلسطينيين لـ"تجاوز الأزمة" التي كادت تطيح بالمشروع، وتكلّف القائمين عليه خسائر مالية فادحة لا يمكن تحملها، كما يقول منتج العمل، توماس كوفوس، في أحد حواراته الصحافيّة، حيث وضّح أنهم نتيجة للمقاطعة الأولى اعتمدوا أكثر على الدعم الأوروبي، ذلك أن الفيلم سيقدَّم بالدرجة الأولى للجمهور الأوروبي "ليكتشف المشاهد جذورنا المسيحيّة والتاريخيّة في المدينة، وليس فقط الصراع".

في حواره قدّم المنتج خدعة جديدة تدّعي أن المواضيع والمشاركات والثيمات في الفيلم وزّعت بالتساوي بين الأوروبي والإسرائيلي والفلسطيني، بينما لا يختلف خطاب الفيلم عن خطاب الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر القدس عاصمة له، وبالتالي لن يكون الوجود الفلسطيني إلا ديكوراً للفيلم. أما عن عدم اختلاط الفريقين أثناء التصوير، فلا مشكلة، كما صرح القائمون على العمل، طالما أنهم التقوا على مكتب مونتاج واحد في برلين.

العمل المكوَّن من مجموعة كبيرة من الأفلام القصيرة التي صوّرت في القدس، بكاميرات فلسطينيّة وإسرائيلية وأوروبيّة، لم يساوِ بين الضحيّة وجلاديها القادمين من أوروبا فحسب، بل عمل على ترسيخ الرواية الإسرائيليّة وتطلعاتها. فكان أول ما صرح به الفريق أنه "قدم إلى أرض إسرائيل ليمنح التجربة والخبرة التي كسبها خلال العمل على 24 ساعة في برلين لشركائه الإسرائيليين والفلسطينيين"، إضافة إلى المواضيع والقصص والصور التي ضخها الشريط خلال الأربع وعشرين ساعة، والتي لا تخرج عن رواية المُحتل، بل وتعمل على إبراز "إنسانيته" و"معاناته" و"مخاوفه"، في اعتماد على الطريقة الصهيونية المعروفة في الاستمالة العاطفيّة للمتلقي الغربيّ.

نشاهد ذلك من خلال المستوطن الذي يتطوّع كمسعف في "نجمة داوود"، حين يتحدث عن تفجير الفلسطينيين لحافلة إسرائيليّة في القدس، والرعب الذي عاشه آنذاك، والصور التي لا تفارق رأسه حتى اللحظة. كما يتحدّث عن معاناة المستوطنين ومخاوفهم من مجرد قطع شارع في سلوان، وما يحملونه من ذكريات "الهولوكوست" الأليمة، وحلمهم بأرض الميعاد.

أما حصة الفلسطيني من الـ 24 ساعة فالإسرائيلي الطيب موجود، صحيح أنهم يهدمون بيوتهم في الشيخ جرّاح لكنهم يساندونهم في المظاهرات السلميّة.

عرض الفيلم في برلين في نيسان/ أبريل الماضي، وها هو ذا يُعرض حالياً للفلسطينيين داخل سجنهم في رام الله، دون القدس التي تنفرد بعرضه لـ"الجمهور الإسرائيلي" وشريكه الأوروبي، وبذلك تتفنّد جميع ادّعاءات أصحاب الفيلم بـ"الحياديّة" وعدم الانحياز إلى الرواية الإسرائيليّة في قضية القدس. 

دلالات

المساهمون