"صانعة الأكفان": الشجاعية على الخشبة

"صانعة الأكفان": الشجاعية على الخشبة

13 نوفمبر 2015
جانب من العرضة بعدسة Hannah Barton
+ الخط -

"استوحيتُ فكرة العمل من خبر قصير قرأته على أحد المواقع المحلية، عن امرأة مسنّة تفتح محلّها المتواضع جميع أيام الأسبوع، حتى في أيّام الحرب"، يقول أحمد مسعود كاتب ومخرج مسرحية "صانعة الأكفان"، التي تُعرض في لندن حالياً.

يضيف الكاتب والمخرج الفلسطيني: "أمّا العامل الثاني، فكان موقف غسان عليان، الذي قاد الحملة العسكرية الإسرائيلية في 19 تموز/ يوليو من العام الماضي، وارتكب مجزرة في منطقة الشجاعية".

يشرح مسعود، أنّه راح يفكّر كيف يستطيع شخصٌ تربطه صلة بالشعب الفلسطيني القيام بأمر مماثل، وكيف يمكن لأي إنسان ارتكاب جريمة مشابهة. من هنا بدأ حبك النص وتخيّل المواقف، محاولاً رسم قصّة تجمع بين حياتي غسان وصاحبة المحل.

يقول مسعود، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إنّه حين كان يقود سيارته، كانت الأسئلة تتزاحم في رأسه، حول عليان وكيفية وصوله لتلك المرحلة من الإجرام، وفي الوقت ذاته، كان يفكّر في المرأة المسنّة، ويتساءل عمّ مرّت به في حياتها حتى لا تبالي بالموت.


مشهد من "صانعة الأكفان" (Hannah Barton)

بعفوية، يتحدّث مسعود عن بدايته في عالم المسرح، حين أتى للدراسة في بريطانيا وهو في التاسعة عشر من العمر. يقول إن الدهشة تملّكته حين رأى مسرحاً لأوّل مرّة. وبابتسامة يضيف: "اعتقدتُ أنّها صالة سينما كبيرة جداً. أنا القادم من غزّة لم أر مسرحاً من قبل".

تعلَّق مسعود بالمسرح وبدأ في كتابة عدد من المسرحيات، منها واحدة لـ "بي بي سي". كما أسّس، عام 2005، فرقة دبكة اسمها "زيتونة"، تحوّلت لاحقاً إلى "فرقة الزيتونة المسرحية". وفي حزيران/ يونيو الماضي، نشر روايته الأولى "اختفى".

يبدأ عرض "صانعة الأكفان" بامرأة جالسة على كرسيها خلف ماكينة خياطة، تستمع إلى الأخبار، وتهلّل فرحاً حين تعلن الإذاعة عن سقوط عشرات القتلى، فموت البشر بالنسبة إليها يزيد من الطلب على بضاعتها.

استطاع مسعود أن يجسّد ويختصر على خشبة المسرح الصغيرة تلك، على مدار قرابة ساعتين، المعاناة الإنسانية بوجوهها المتنوعة، في ظلّ الاحتلال، أي احتلال مهما تجمّلت أسماؤه ومهما تستّر بأسباب زائفة.

ينتقل بنا العرض من المرأة العجوز إلى فتاة في العاشرة من العمر (سعاد)، ترافق والدها إلى منزل مسؤول إنجليزي كبير، لتقابل زوجته التي تتبنّاها، على أن يعمل والدها في الحديقة، مصوّراً ألم حرمان أم من طفلتها وشوق الأخيرة إلى حضن والدتها، حتى لو أُحيطت بمغريات العالم بأسره.

جانب من العرض (Hannah Barton)

تكتسب سعاد، عادات الإنجليز وتتعلّم مهارات الخياطة، لتبدأ بحياكة جلابية لوالدها. يُظهر العمل شغف طفلة العشر سنوات وانهماكها بتقديم أفضل ما قد تنجزه أصابعها الصغيرة هديّة لأبيها. ومن دون أن يغفل أوضاع البلاد السياسية، التي انقلبت بين ليلة وضحاها، يصوّر بإتقان، لحظات مغادرة الإنجليز فلسطين في 1948 بعد أن قدّموها هدية للصهاينة.

نجح الكاتب في تصوير حالة الضياع التي عاشتها سعاد ابنة الأربعة عشر عاماً، خصوصاً حين سمعت دوي القنابل وهرعت لتوضّب حقيبتها للسفر والهروب مع السيدة الإنجليزية: مشهد مراهقة حائرة وتائهة تركض في غرف المنزل الكبير، بحثاً عن أصحابه الذين اختفوا وتركوها تواجه وحدها تلك الوجوه المقنّعة.

ثلاثة أيّام تمضيها سعاد في مخبئها الصغير في المنزل، قبل أن تتجرّأ على الخروج إلى الحديقة؛ حيث تجد والدها جثّة هامدة. هنا، عمل العرض على إظهار براءة الأطفال أمام خبث الحرب، إذ تندم سعاد على تأخّرها في تقديم الجلابية لوالدها.

تسير سعاد على غير هدى، لتتحوّل من مراهقة إلى أمّ، لحظة عثورها على طفل أفلتته يدا والدته، بعد أن جمّد الموت ذراعيها.

هكذا تخيّل مسعود قصّة المرأة العجوز فأعادها طفلة بريئة، قرّرت الحياة أن تختبر عزيمتها في مواجهة الاحتلال. أمّا غسان عليان، فتخيّله حفيدها الذي اختفى، قبل أن يعود إليها شاباً وعضواً في عصابة الإجرام المشرّعة دولياً.


اقرأ أيضاً: مسارح أميركا تضيق بالنص الفلسطيني

دلالات

المساهمون