"قيمر" العراق باقٍ

"قيمر" العراق باقٍ

21 فبراير 2015
يعرف جميع العراقيين القيمر (حسن الشمري)
+ الخط -
كانت الحروب التي خاضها ويخوضها العراق سبباً رئيسياً وراء اختفاء كثير من المهن. الأسباب مختلفة، كالتهجير أو قتل أصحابها أو انعدام الأمن، ما جعل كثيرين يختارون العمل في مهن أخرى، علماً أن البعض أصروا على الحفاظ عليها وتحدي جميع الظروف والأزمات الصعبة، على الرغم من أن غالبيتها غير مدعومة من قبل الحكومة، كما يقول أصحابها. بين هذه المهن صناعة القيمر أو ما يُسمَّى بـ "قيمرعرب"، وهو قشطة حليب الجاموس التي يعتاش منها أصحاب العائلات الفقيرة الذين يقطنون القرى والأرياف. غالباً ما تصنعه النساء بطرق بدائية، قبل بيعه مع الحليب ومشتقاته. تجدر الإشارة إلى أن مهنة صناعة وبيع "قيمر عرب" لا تقتصر على النساء فقط.

يطلق على البائعة اسم "المعيدية"، علماً أنها تحمل معنى سلبياً في العراق، وعادة ما يطلقها الناس للدلالة على المجتمعات البدائية التي لم تواكب الحداثة والتطور. لكن الكلمة باتت تُلازم بائعات القيمر أو الذين يعتاشون منها، حتى لو كانوا رجالاً.

تعرضت بائعات القيمر للقتل على غرار كثيرين في المجتمع العراقي. قتل بعضهن نتيجة الانفجارات التي أصابت مناطقهن أو أماكن عملهن، فيما فقدت أخريات الجاموس بسبب الفقر والتهجير. لكن ذلك لم يمنع بعضهن من مواصلة عملهن في هذه المهنة، وخصوصاً أنهن لا يعرفن غيرها.

في كل منطقة، تشتهر امرأة بقيمرها اللذيذ. وعادة ما يزيد سعره في المناسبات والأعياد بحسب الطلب. في عيد الأضحى، يتراوح سعره ما بين 35 إلى 45 دولاراً، بينما لا يتجاوز سعره الـ 25 دولاراً في الأيام العادية.

في السياق، تقول أم حسين (57 عاماً) لـ "العربي الجديد"، وهي إحدى أشهر بائعات القيمر في قضاء المقدادية التابع لمحافظة ديالى: "فقدتُ كثيراً من زبائني. بعضهم هاجر وآخرون قتلوا. مع ذلك، أبيع صينية القيمر في أقل من ساعة، بالإضافة إلى منتجات أخرى مصنوعة من الحليب". تضيف: "على الرغم من تقدمي في العمر والتعب، إلا أن ابتسامة طفل يأتي إلي مع والده باكراً، ويحمل صحناً ليشتري من قيمر أم حسين، تجعلني أنسى تعبي وتفكيري بترك هذه المهنة التي أصبحت جزءاً مني".

يعرف جميع العراقيين القيمر. لهذه القشطة مكانتها الخاصة في المناسبات، وخصوصاً بهدف اكرام الضيف. في العيد، يتهافت الناس على شراء القيمر قبل نفاده. عادة ما تحضر البائعات إلى الأمكنة التي اعتدن الجلوس فيها (قرب أفران الخبز أو المحال التجارية) قبل بزوغ الشمس. يحملن صينية القيمر على رؤوسهن، مع بعض كاسات الحليب.

في أحيان كثيرة، يوقف الناس المعيدية أثناء مرورها في الطريق لشراء القيمر. في أولى أيام العيد، تجتمع العائلة في بيت الجد والجدة، ويزينون مائدتهم بالقيمر. أيضاً، تحرص الفنادق على توفيره للزبائن، على الرغم من أنه يفقد نكهته بعد يومين أو ثلاثة على صنعه، لاسيما إن تم وضعه في الثلاجة.

تجدر الإشارة إلى أن القيمر ليس حكراً على المناسبات السعيدة. على سبيل المثال، حين يموت أحدهم، عادة ما يحضر الجيران الفطور المكون من القيمر وأطعمة أخرى، لذوي الفقيد.

كذلك، لدى معظم العراقيين ذكريات كثيرة تتعلق بشرائهم القيمر حين كانوا أطفالاً. في السياق، تقول أطياف وهي طالبة جامعية: "كان والدي يأخذني بعد صلاة الفجر لشراء القيمر. كنتُ أحمل الصحن بين يدي وأشعر بسعادة كبيرة. أذكر أن البائعة كانت تضع لي كمية أكبر من تلك التي تضعها لوالدي. وحين لا أذهب معه لشرائها، تحرص على أن ترسل إلي حصتي، وتقول لوالدي إن هذه لأطياف". لا تنسى مشهد اصطفاف بائعات القيمر على الرصيف. تتمنى ألا تختفي هذه المهنة مع الوقت.

"نفس طيّب"
تشرح وداد أحمد، وهي ربة منزل، كيفية صنع القيمر لـ"العربي الجديد". تقول إن هناك مكونات عدة، أهمها الحليب غير المغلي الذي تجلبه من مزرعتها. ويفضل استخدام حليب الجاموس كونه أكثر كثافة، بالإضافة إلى الخميرة والنشاء والزبدة الطبيعية، ثم يوضع على نار هادئة مع التحريك المستمر لنحو 40 دقيقة حتى يتماسك المزيج. لكن الأهم بالنسبة إليها هو حب الطاهي للقيمر أو "النفس الطيب".

دلالات