جلطة دماغية مفاجئة يسبقها حزن عميق
هل هو معرّض لجلطة؟ (أنور عمرو/ فرانس برس)
تكثر الضغوط النفسية في حياتنا اليوم، فنجعلها شمّاعة لمشكلات صحيّة عدّة تصيبنا، منها الجلطة الدماغية.
"من كثرة الأسى، أصيب بجلطة دماغية وتوفي فجأة". كثيراً ما تترّدد على مسامعنا، إجابات مماثلة عند السؤال عن فلان أو علتان الذي قضى من دون أن يشكو من أيّ علّة. كثيرون يرون الأمر منطقياً، إذ إنّ الضغوط النفسية التي يعرفها المواطن العربي اليوم كبيرة لا بل تفوق قدرته على التحمّل في كثير من الأحيان. لكنّ السؤال يُطرح حول مدى صحّة الأمر علمياً، فتختلف آراء الأطباء ذوي الاختصاص حول الموضوع. ويبقى الحزن والأزمات النفسية من الأسباب المحتملة.
يفيد تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية بأنّ الجلطة/السكتة الدماغية تنجم عن خلل في الجهاز العصبي وفي الدورة الدموية في الدماغ تستمرّ أكثر من 24 ساعة أو تتسبب بالوفاة في غصون 24 ساعة. ويصاب 15 مليون شخص حول العالم بسكتة دماغية سنوياً، خمسة ملايين منهم يموتون وخمسة ملايين يعيشون إنّما مع عجز دائم، وهو الأمر الذي يمثّل عبئاً على الأسرة والمجتمع.
يقول الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والعقلية الدكتور سمير جاموس إنّ "الحزن الشديد أو الأزمات النفسية قد تكون عاملاً محفزاً للجلطة الدماغية من دون أن تتسبب بها". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "أبرز ما نعرفه عن الجلطة الدماغية أنّها تأتي من جرّاء ارتفاع ضغط الدم. لكنّ الحزن أو التوتّر الكبير أو الضغط النفسي أو الإصابة بداء السكري أو الكولتسرول أو انسداد الشرايين أو أمراض القلب، كلّها عوامل تزيد من احتمالات الإصابة بالجلطة الدماغية".
من جهته، يوضح الطبيب المتخصص في جراحة الأعصاب و الدماغ الدكتور غسان حداد أنّ "الحزن قد يكون عاملاً مسبباً للذبحة القلبية أو للجلطة الدماغية، بحسب ما نلاحظ، من دون أن يُثبَت ذلك علمياً". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الحزن قد يزيد من ارتفاع ضغط الدم، بالتالي من احتمال الإصابة بجلطة دماغية. كذلك فإنّ التعرّض إلى الانفعال عموماً والذي ينتج عنه حزن شديد، يتسبب في تقلصات في الشرايين، الأمر الذي يؤدّي إلى سكتة قلبية كذلك". ويشرح أنّه "عند التعرض إلى الانفعال، يفرز الجسم هرمونات الغضب التي تعمل على حدوث تقلصات في شرايين القلب وارتفاع مستوى ضغط الدم، الأمر الذي ينتج عنه أزمة قلبية أو جلطة دماغية. لذلك نوصي الأشخاص الذين يتعرّضون إلى الانفعال الشديد بضرورة تجنّب الأسى والمواقف المحزنة، مع ضرورة ممارسة الرياضة وعدم التدخين وعدم تناول الدهون بكثرة. فممارسة الرياضة تحسّن الحالة النفسية لأنّها تعمل على إفراز بعض الهرمونات التى تؤدّي إلى شعور بالسعادة". ويشدّد على "أهمية التثقيف الصحي، لدفع الناس إلى استشارة طبيب مختصّ عند الشعور بأنهم بحاجة إلى ذلك، تفادياً لأيّ تداعيات صحية خطيرة".
في هذا السياق، يؤكد الطبيب المتخصص في جراحة الأعصاب الدكتور سهيل جبيلي على "ضرورة البحث دائماً عن الأسباب المباشرة للجلطة الدماغية المفاجئة من خلال الفحوصات الطبية اللاحقة". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الحزن لا يؤدّي مباشرة الى الجلطة الدماغية، إنّما عوامل أخرى كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، من شأنها أن تزيد من احتمال الإصابة. لذلك، ننصح بالاتجاه فوراً إلى أقرب مستشفى عند حدوث نوبة ما". ويوضح أنّه "كلّما وصل المصاب إلى المستشفى في مهلة أقصاها ثلاث ساعات، كلّما خفّت تداعيات الجلطة الدماغية من قبيل الشلل. وكلّما وفّرنا وقتاً، كلّما أنقذنا المريض من الموت. بالتالي، كلّما كان الحصول على العلاج سريعاً، كلّما تمكّن المصاب من استعادة حياته الطبيعية والعودة إلى عمله خلال ثلاثة أيام". يضيف: "أمّا من دون علاج سريع، فإنّ احتمالات الوفاة قد تصل إلى 15 في المائة والشلل إلى 65 في المائة. ومن المحتمل أن يتحسّن تدريجياً بنسبة 20 في المائة".
أمّا الطبيب المتخصص في جراحة الأعصاب والدماغ الدكتور ماهر لمع، فيركّز على أهمية "إجراء الفحوصات الطبية مسبقاً، في محاولة للحدّ من الآثار السلبية للجلطة الدماغية". وينفي لـ "العربي الجديد" وجود "أيّ علاقة ما بين الحزن أو الاكتآب والجلطة الدماغية. أمّا احتمالاتها فتأتي مرتفعة في حال سجّلنا أمراض قلب أو تخثّراً في الدم أو ارتفاعاً في ضغطه أو إصابة بداء السكري".
إلى ذلك، يشدّد الطبيب المتخصص في أمراض القلب الدكتور جورج غانم على أنّ "صحة الإنسان صارت رهن الوضع الضاغط اليومي وما يتناوله من أطعمة دسمة تزيد من انسداد الشرايين. بالتالي، أصبح أكثر عرضة لأمراض القلب وللإصابة بجلطة دماغية". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "التغيّرات في نمط الحياة اليومية، من أطعمة مشبعة بالدهون وتدخين وإدمان على النارجيلة، كلّها عوامل تزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب والجلطة الدماغية".
تجدر الإشارة إلى أنّ الجلطة الدماغية غير شائعة لدى الأشخاص دون الأربعين من عمرهم، وعندما تحدث فإنّ سببها الرئيسي هو ارتفاع ضغط الدم. إلى ذلك، تصيب الجلطة الدماغية نحو ثمانية في المائة من الأطفال الذين يعانون من داء الخلية المنجلية. يُذكر أنّ من بين كلّ 10 أشخاص يموتون من جرّاء جلطة دماغية، يمكن إنقاذ أربعة، إذا نجحنا في تنظيم ضغط الدم لديهم. ومن بين الأشخاص الذين تقلّ أعمارهم عن 65 عاماً، فإنّ خمسَي حالات الوفاة من جرّاء الجلطة الدماغية، مرتبطان بالتدخين.
