معركة ترامب والمخدرات مؤجلة

معركة ترامب والمخدرات مؤجلة

30 أكتوبر 2017
الهيروين قسم عائلتي (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -
لم يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حالة "الطوارئ الوطنية" لمواجهة الإدمان على المخدرات في الولايات المتحدة كما وعد سابقاً، واكتفى بإعلان حالة "الطوارئ الصحية العامة" لمواجهة الظاهرة التي بلغت ذروتها خلال السنوات القليلة الماضية، وباتت مخاطرها المتزايدة لا تقتصر فقط على التسبب بمقتل 64 ألف أميركي سنوياً، بل في تحولها إلى خطر داهم يهدد بنية المجتمع الأميركي برمته، ويخلخل أسسه والمؤسسات والقيم الاجتماعية التي قام عليها خصوصاً العائلة الأميركية.

وكان ناشطون في مكافحة المخدرات قد أعربوا عن خيبة أملهم، واعتبروا أنّ الخطوة، رغم أهميتها في تسليط الضوء على مخاطر المخدرات، فهي ناقصة لأنّ "الطوارئ الصحية" لا تضع الإمكانات المالية واللوجستية الفدرالية في تصرف السلطات المحلية والهيئات المعنية في مكافحة المخدرات، بينما إعلان حالة "الطوارئ الوطنية" يعني أنّ كلّ الإمكانيات الحكومية ستكون متاحة من أجل تأمين العلاجات اللازمة للمدمنين، وتكثيف حملات التوعية وشن حملة على تجار المخدرات والحبوب المخدرة، ومقاضاة شركات الأدوية الأميركية التي تغرق الأسواق بأدوية مسكنة للآلام تقود من يتناولها إلى الإدمان السريع، والانتقال إلى مواد مخدرة أكثر خطورة مثل الهيرويين والفانتانيل وغيرها من المواد الخطرة.

سجل العام الماضي 2016، رقماً قياسياً جديداً في عدد وفيات الجرعات الزائدة من المخدرات بسبب تفاقم ظاهرة الإدمان على الأفيون والحبوب المخدرة، وانتشارها على نطاق واسع لدى مختلف الفئات الاجتماعية، خصوصاً في أوساط الشباب وطلاب الجامعات وتلاميذ المدارس. فالجرعات الزائدة من المخدرات باتت في صدارة أسباب وفاة الأميركيين تحت عمر الخمسين عاماً.

تشير الإحصاءات إلى زيادة كبيرة في عدد الوفيات بسبب المخدرات في السنوات الأخيرة، خصوصاً في ولايات الساحل الشرقي مثل ميريلاند، وفلوريدا، وبنسلفانيا، وماين، وكذلك في ولايات حزام الصدأ، أوهايو، وويسنكنسن، وميشيغان. ففي أوهايو زادت عام 2016 نحو 25 في المائة. قدمت دعاوى قضائية أمام محاكم أوهايو ضد خمس شركات أدوية تصنع أنواعاً من الحبوب المخدرة والمسكنة للآلام، أثبتت دراسات أنّها تقود مستهلكيها من الشباب والمراهقين في غالب الأحيان إلى المخدرات القاتلة كالهيرويين والفانتانيل الذي بات المخدر الأكثر رواجاً في أوساط الشباب، علماً أنّ مفعوله ونتائجه أخطر بخمسين مرة من الهيرويين.

برر مسؤولون في إدارة ترامب عدم إعلان حالة "الطوارئ الوطنية" بالقول إنّ ذلك ليس ضرورياً في الوقت الحالي في قضية مثل أزمة المخدرات، وقالوا إنّ إعلان "الطوارئ الصحية" ما هو إلاّ خطوة أولى في خطة ترامب، معتبرين أنّ الإمكانيات المتوفرة في المؤسسات الصحية قادرة على تأمين المستلزمات المادية والبشرية للتعامل مع الأزمة، ومشيرين إلى أنّ البيت الأبيض سيطلب قريباً من الكونغرس تأمين الأموال اللازمة لتغطية حملة المكافحة.

الإدمان لدى الجنسين ومختلف الأعمار والشرائح (سبنسر بلات/getty) 


قد لا تكون صدفة أنّ الولايات التي ضربت مدارسها وشبابها لعنة الإدمان هي نفسها الولايات التي ضربتها الأزمة الاقتصادية والمالية قبل نحو عشرة أعوام، وزاد فيها عدد العاطلين من العمل. كذلك، هي الولايات نفسها - خصوصاً ولايات حزام الصدأ- التي انتخبت ترامب وأمنت فوزه على هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي، وحصوله على عدد مندوبين أكثر في المجمع الانتخابي.

شكل عنوان مكافحة المخدرات عنواناً رئيسياً في أجندة ترامب الانتخابية، وقد تعهد مراراً في خطاباته الانتخابية القضاء على هذه الظاهرة، وإن كانت مقاربته لقضية المخدرات تركز أكثر على ضرورة محاربة عصابات تهريب المخدرات التي تنتشر في أوساط المهاجرين من بلدان أميركا اللاتينية ويقيمون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية. ومن وظائف الجدار الذي يدعو ترامب إلى بنائه على الحدود الأميركية مع المكسيك، بالإضافة الى منع دخول المهاجرين غير الشرعيين، وقف تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، وهي التجارة التي تديرها عصابات من المكسيك، وغيرها من دول أميركا اللاتينية مثل عصابة "MS13" القوية التي باتت الشغل الشاغل للشرطة الأميركية وأجهزة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، فغالبية أعضاء هذه العصابة الناشطة في الولايات المتحدة من المهاجرين غير الشرعيين من بلدان مثل السلفادور وهندوراس وغواتيمالا في أميركا الوسطى.

يتبنى ترامب مقاربة أمنية في التعامل مع أزمة المخدرات، ويدعو إلى إعطاء الشرطة والأجهزة الأمنية الصلاحيات والإمكانيات اللازمة للقيام بحملة واسعة على عصابات الاتجار بالمخدرات. وقد أبدى في خطابات سابقة إعجابه بحملة الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي الدموية على عصابات المخدرات في بلاده. وفي معرض حديثه عن أهمية الحملة الدعائية في مكافحة الإدمان على الأفيون وتعاطي المخدرات في أوساط الأجيال الأميركية الجديدة، أشار ترامب إلى تجربته العائلية مع الإدمان، فروى قصة شقيقه الأكبر فريد ترامب الذي توفي عام 1981 وهو في الثالثة والأربعين بسبب إدمانه الكحول. وقال إنّ شقيقه كان شاباً ذا بنية قوية وشخصية فذة لكنّ مشكلته في إدمان الكحول دمرت حياته وتسببت في موته. أضاف: "لكنّ فريد كان دائماً ينصحني بعدم شرب الكحول أو التدخين، وهذا ما فعلته، فلم أشرب الكحول طوال حياتي ولم أدخن ولو سيجارة واحدة".

من وجهة نظر ترامب فإنّ حملة مكافحة المخدرات تبدأ بتوعية الأطفال في المدارس الابتدائية بمخاطرها وإقناعهم بعدم تجربتها على الإطلاق.