أنت في بعد آخر

أنت في بعد آخر

19 ابريل 2016
احتمال وجودها أساساً هو المثير بحدّ ذاته (العربي الجديد)
+ الخط -

غريبة هذه اللوحة التي تحتل حائطاً وحدها في غرفة الانتظار لدى طبيب الأمراض العصبية. غريبة في كونها داخل تلك العيادة بالذات مع ما فيها من أمراض تضع أصحابها في دوامات لا تُحصى من الأوهام والتهيؤات والأحلام المختلطة بالواقع في مكانه وزمانه.

اللوحة لا يحملها إطار تقليدي خشبي مزخرف ذو قيمة فنية بدوره، بل هو أشبه ما يكون بحدود نافذة تنقلك من عالم إلى آخر. ذلك العالم الذي يشبه شاشة التلفزيون لحظة انقطاع البث وامتلائها بالنقاط البيضاء والسوداء. يثبت المشهد وتدخل فيه بكلّيتك وأنت مكانك. وكما النافذة تطلّ بك إلى بيئة مغايرة عن داخل تسكنه أو خارج تعايشه، فاللوحة كذلك لكن بشكل غرائبي لا تنقصه أيّة مؤثرات عهدتها في أفلام الرعب والخيال العالمي.

هي أشبه ما يكون بواقع مختلف عنك. عالم آخر يبدو برماديّه المتدرج، وأسوده، وضبابه الكثيف الذي لا يظهر منه شكل محدد، كأنّه يخفي بالتأكيد خلف حجابه هذا شكلاً آخر من الحياة. شكل ربما يكون أقرب لما قرأت عنه في مجلات الكوميكس، عن عوالم موازية، وأبعاد أخرى، يسكنها أناس، أحدهم بالذات هو أنت.. لكن في حياة أخرى أو مستوى آخر. تكرار عنك أو استنساخ. قد تكون أنت نفسك المكرر عن ذلك الآخر، أو أنت النسخة. ليست مشكلة.

المهم أنّك أنت وهو تعيشان في اللحظة نفسها حياة، قد تكون مختلفة عن الآخر بمختلف تفاصيلها. قد تكون أفضل وقد لا تكون، لكنّ احتمال وجودها أساساً هو المثير بحدّ ذاته.

الفكرة مقبولة لدى المؤمنين بالغيب، الذين ينطلقون أساساً من موجودات أخرى في هذا العالم طبيعتها غير طبيعتنا ومادتها غير مادتنا، تعيش معنا ولا نشعر بها إلاّ في أحوال معينة، وهي المعروفة بالجنّ وأحياناً الأرواح الخيّرة والشريرة، وطبعاً الملائكة مهما كان جنسها. مثل هذا الحال، يصنع ثروات لبعض المستغلين ممن يدّعون أمام ضحايا استغلالهم استحضار تلك القوى الخارقة إلى عالمنا، وتسخيرها - بما تملكه من قوى عادة - من أجل مصالح فردية.

لكنّ الواقع نفسه يؤكد أنّنا نعيش واقعنا الاجتماعي، مهما تميزنا. لنا حرية التفكير في أبعد الأشياء وأخطرها، لكنّ العيش شرط سابق للتفكير ومؤدٍّ إليه بالقوة.

مهما حاول ميتشيو كاكو أن يفسّر نظرية ألبرت أينشتاين، ويثبت وجود تلك الأبعاد الأخرى من خلال الثقوب السوداء، ومهما قال كارل ساغان: "ليست لنا القيادة في الدراما الكونية"، فالواقع يشير إلى أنّنا هنا، في هذا الكون بالذات، على كوكب الأرض، كلّ في بلده ومشاكله التي لا تنتهي. ولا يجب في أيّ حال بما نملك من أدوات بسيطة أن نهرب إلى احتمالات الأوهام في مواجهة مطحنة الواقع اليومي.

المساهمون