خمس لقطات غريبة

خمس لقطات غريبة

20 أكتوبر 2015
هؤلاء لا يستحقّون مثل هذه الالتفاتة (العربي الجديد)
+ الخط -

جميلة النزهة الصباحية على الكورنيش البحري لبيروت. خصوصاً أنّه من المساحات العامة القليلة المتبقية للمواطنين، ولو أنّ الصفقات تقتطع كلّ مرة جزءاً منه، هو الذي يلفّ العاصمة من المرفاً شمالاً إلى الرملة البيضاء جنوباً.

المشي كرياضة، من أول الرملة البيضاء إلى آخر الروشة يتطلب نصف ساعة. وعلى امتداد الطريق يوم الجمعة الماضي تظهر خمس لقطات غريبة ومميزة في الوقت عينه.

اللقطة الأولى مياه آسنة تصبّ كنهر على شاطئ الرملة البيضاء، فتخترق الرمال الذهبية بالعرض من تحت الطريق، وتصل إلى مياهه. يستغرب الناظر كيف لمثل هذا التلوث الواضح أن ينتهي فجأة في ما لو تملّك مستثمر ما المكان. فبقدرة قادر تُسخّر كلّ الإمكانات لأصحاب المال في لبنان. أما اليوم فالشاطئ الكبير لا يحظى إلّا بزائرين فقراء، وهؤلاء لا يستحقون مثل هذه الالتفاتة من بلدية أو من وزارة.

اللقطة الثانية شاب عشريني يجلس على أحد المقاعد الخشبية لكورنيش الرملة البيضاء عند الثامنة والنصف صباحاً. الغريب فيه أنّه لا يشعل نارجيلة، أو يغرق في هاتف. هو يقرأ كتاباً. وهو ليس طالباً جامعياً يراجع دروسه قبل الامتحان بخمس دقائق، بل يطالع رواية عالمية بلغتها الأصلية.

اللقطة الثالثة فتاة نائمة خلف مقود سيارتها المتوقفة عند كورنيش الروشة. المكان هادئ في هذا الوقت تجاه محل الحلويات الشهير والمطاعم والمقاهي. وبالقرب من السياج الحديدي الذي انتزعه شباب الحراك المدني من مكانه على طول الكورنيش تأكيداً على أنّ الروشة من حقّ كلّ الناس. ما الذي يدعوها للنوم هكذا؟ لا أحد يعلم. لكنّها هانئة في نومها وغارقة فيه بما يوحي ربما أنّ بيروت تبقى بالرغم من كلّ ما فيها من مشاكل، عاصمة آمنة. عسى أن تكون فعلاً كذلك.

اللقطة الرابعة أمام الفتاة وسيارتها ببضع خطوات. خلف السياج المنزوع نفسه تعايش غريب جداً بين مجموعة كبيرة من الجرذان واليمام. تقتات معاً فتات خبز وشيئاً من النفايات المرمية هناك. الغريب أنّ الناس ينفرون من الجرذان ويعمدون إلى قتلها كلما صادفوها، أما اليمام الذي يتركه الناس وشأنه، حتى أنّهم يقدمون له البقول والفتات ولا يصطادونه، فلا يواجه أيّ مشكلة في الاجتماع بتلك القوارض الوسخة التي لا تؤذيه.

اللقطة الخامسة أربعة أشخاص، شابان يمشيان معاً، وفتاة، ورجل خمسيني، ينظرون في اللحظة عينها إلى هواتفهم المحمولة. كلّهم يُدلّون رقابهم ولا ينتبهون إلى ما يدور من حولهم. من المؤكد أنّ حياتنا جميعاً باتت تتشتت بين واقعين، أصلي وافتراضي. والأخير يختلط بالواقع أكثر يوماً بعد يوم.

اقرأ أيضاً: بعيداً عن وسط بيروت

دلالات

المساهمون