كادَ جسدها أن يتبخّر

كادَ جسدها أن يتبخّر

29 يونيو 2015
الفقاعات تطيرُ في السماء (دينا روديك/Getty)
+ الخط -

كانَت لها أشياء جميلة، لا تعرفُ أياً منها، تنتظرُ الليل فلا يأتي، لا يريد عريّها، لن ترتدي ثياباً في الضوء، تريدُه أن يذوب تحت أشعة الشمس، فيصير سائلاً يسقي المدينة. جسدها سينعش المدينة، لا تعرفه، تنظر إليه، تضع يديها على تفاصيله، تُمسك تفصيلاً فيضيع آخر. كأن كل شيء فيها مجرّد فقاعة. هي نفسها فقاعة. حين يتبخّر جسدها، قد يفرح الأطفال بالأشكال التي ستنشرها في الهواء، يُمسك أحدهم شكلاً بين يديه قبل أن يختفي/تختفي. آه. تتألم ولا يسمعها. يضحك لاختفائه/ها ولا يسمع صراخها. ربّما تصير المدينة جميلة، رائحتها أجمل. مثلَ كوكبٍ لم يُكتشف وأرضٍ لم تُر وشعبٍ لم يولد.

لا تحبّ رائحة المدينة الجديدة، طيّبة لدرجةٍ يخشى الجميع الاقتراب منها. الرائحة الحلوة قد تُصيب صاحبها بالدوار. سيدورُ جميع البشر حول أنفسهم. هذا ما يفعلونه أصلاً. قلّة فقط يسيرون إلى الأمام أو هذا ما يظنّونه، سيدورون حتى يصابوا بالدوار ويسقطوا أرضاً. لا طاقة لهم على الضحك بالرغم من عبثية المشهد. أين جسدها؟ هذه قدمٌ كبيرة داست فوقه. تختنق وتحاول شمّها. إنه رجلٌ. لا حنان في رائحة جلده. فيه بقايا من ماضٍ وأشياء أخرى. قدمٌ أخرى. هذه امرأة تعطّرت كثيراً حتى أضاعت رائحتها. لا بأس. سيصيران أجمل. السائلُ ينعش المدينة. وجسدها لا يستعيد نفسه.

ربما تقترب من الضوء، فيعود السائل جسداً، تختفي كل تلك المواد اللزجة في داخله ويبقى وتبقى، صارت سائلاً وجسداً وروحاً، هي بينهم. تحنّ إلى مستقبلٍ، ها هو يقترب، رائحته عادية لكنها تنعش فيها روحاً. في الليل، سيطرد الأرواح من غرفتها. لا تؤمن بالأرواح والشعوذات، الأرواح في داخلها فقط تقتل روحها. وهي ترخي جسدها له ولهم. بقي لها القليل من رائحتها، يشمّها أكثر من اللازم. تستحي قليلاً. ورثت الخجل عن فاكهة الصيف، والتخفّي عن أوراق الخريف. رائحتها في كل زاوية وكل امرأة. رائحتهما ستنعشان المدينة، وهما في قلب أشياء جميلة، يبكيان، البكاء حلو، يضحكان، والضحك حلو أيضاً.

تنامُ المدينة وهي لا تنام. الليلُ دافئ ولا تشعر به. جسدها يرتجف، تغطي عريه ويظلّ يرتجف. أين الضوء؟ ستصيرُ فراشة وتلتصق به، أو تصير نحلة وتختبئ بين الأزهار، الأزهار تليق بها. هي وردةٌ لأكثر من عائلة وكثيرين. ربما تكون نجمتهم. هي فوق على اليمين، إلى جانبها أسرارُ الكون وأسرارها. والمستقبل يقترب، تمدّ له يديها ولا يأخذهما. يخشى رائحتها. يخاف أكثر من خسارة رائحته. ستصير عطراً في زجاجة. لن تكون شيئاً. الفقاعة الأخيرة تطير في السماء، وقد اختفت.

اقرأ أيضاً: تعالي نرقص

دلالات