أطفال الغوطة الشرقية في مواجهة الموت

أطفال الغوطة الشرقية في مواجهة الموت

06 ديسمبر 2017
يعاني من سوء التغذية (عبد المنام عيسى/ فرانس برس)
+ الخط -
القول إنّ حصار الغوطة يهدّد حياة آلاف الأطفال بموت محدق، ليس جديداً. لكن المأساة تتفاقم يومياً والأطفال هم الضحية الأكبر. توجّهت "العربي الجديد" إلى مركز العناية بالأطفال المصابين بحالات سوء التغذية في الغوطة الشرقية. هناك، تحدثت الطبيبة المشرفة على المركز، أماني، التي فضلت عدم ذكر اسمها الكامل، عن الأوضاع المزرية في ظل الحصار المستمر منذ خمس سنوات على المنطقة. تقول إن "الوضع الطبّي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم كلّما طالت مدة الحصار على الغوطة الشرقية، وتزداد معها الأمراض، خصوصاً لدى الأطفال"، لافتة إلى أن سوء التغذية والجفاف هما الأكثر خطورة. تضيف أن "سوء التغذية يهدّد أطفالاً آخرين. يومياً، نستقبل أطفالاً يعانون من سوء التغذية الحادة والمتوسّطة. وتزداد الإصابات بشكل متسارع في ظلّ عدم توفّر الغذاء". وتؤكّد انتشار أمراض أخرى مثل الإسهال والجفاف، خصوصاً لدى الأطفال، والتي تتفاقم في ظل تردي الأوضاع الصحية واستمرار الحصار.

تُحذّر الطبيبة من "خطر الموت الذي يهدّد أطفال الغوطة الشرقية نتيجة نقص المناعة لدى الأطفال المحاصرين"، مشيرة إلى "نقص في الحديد والفيتامينات". وتظهر أعراض سوء التغذية لدى الأطفال، خصوصاً الرضع منهم، من خلال تأخّر ظهور الأسنان وشحوب اللون وتساقط الشعر وتجعّد البشرة. وتشرح: "لا نستطيع تقديم شيء لهؤلاء الأطفال في ظل الحصار. الحلّ الوحيد هو فكّ الحصار. لا نستطيع علاج جميع الأطفال في ظلّ النقص الشديد في حليب الأطفال والأدوية".

وبحسب الطبيبة، فقد دخلت منذ أيّام قافلة محمّلة بالأغذية برفقة الأمم المتحدة، الذين اطلعوا على حالات الأطفال المصابين بسوء التغذية، لافتة إلى أن الكميات التي أدخلوها بالكاد تكفي لبضعة أيام، ولا بدّ من فك الحصار الذي يفرضه النظام.

من جهته، يتحدّث المواطن أحمد حوّا، لـ "العربي الجديد"، عن معاناته وحفيدته الطفلة رهف حوّا. يقول إنها فقدت والدها في عام 2013، من جرّاء قصف قوات النظام السوري منزلهم في الغوطة، ثم فقدت شقيقتها وأمها وخالتها وجدتها بعد أشهر، بسبب قذيفة أطلقتها قوات النظام على المنزل أيضاً. أما رهف، فقد أصيبت بمرض مزمن لم يحدّده الأطباء تماماً بسبب احتياجها إلى فحوصات غير متوفرة في الغوطة. وفي الوقت الحالي، تخاف من أي صوت يشبه صوت الانفجار.

في ظلّ تفاقم الحصار، لم يعد أحمد يتمكّن من إحضار الدواء لرهف، ما زاد من سوء حالتها. وتدهورت حالة الطفلة في ظل الفقر ونقص الطعام والغذاء. يقول: "كلّما عاينها طبيب، يصف دواء لا يكون متوفراً في مدن وبلدات الغوطة المحاصرة". يرى أحمد أن مرض رهف في جانب منه نفسي، لافتاً إلى أنّ حالتها الصحية تزداد سوءاً بسبب نقص الغذاء. ينصحه الأطباء بضرورة أن تتناول عصير البرتقال الطبيعي، إلا أنه يجد صعوبة في تأمينه بسبب الغلاء الذي أصاب كل شيء في الغوطة. يقول: "حالنا مثل حال كثيرين من المحاصرين في المنطقة، لا نستطيع تأمين الطعام بشكل جيد بسبب الحصار".



يُناشد أحمد المعنيّين العمل على إنهاء معاناة الغوطة، ليس من أجل رهف فقط، بل من أجل عشرات الأطفال المحاصرين، الذي يهددهم الجوع والمرض بالموت، مشيراً إلى أن "أهل الغوطة يحبون الحياة كما يحبها بقية البشر".

في هذا السياق، حذّرت الأمم المتّحدة من خطر موت 500 من الرجال والنساء والأطفال المرضى الذين تحاول إخراجهم من الغوطة الشرقية منذ شهرين، لكن الحصار الذي يفرضه النظام السوري يحول دون ذلك.

وكان كبير مستشاري المبعوث الأممي إلى سورية، يان إيغلاند، قد صرّح أخيراً: "إذا لم يحصل الإجلاء قريباً، سيكون ذلك وصمة عار على ضميرنا لفترة طويلة جداً". أضاف أنّ "تأمين وصول المساعدات إلى الغوطة الشرقية في ريف دمشق يشكّل تحدياً كبيراً للأمم المتحدة وشركائها. وخلال الشهرين الماضيين، حصل نحو 70 ألف شخص من أصل 400 ألف تحت الحصار على مساعدات".

أضاف إيغلاند أن "النشاط الزراعي توقف في خضم العنف"، لافتاً إلى أن ما يقال حول أنه لدى المدنيين خارج العاصمة السورية الموارد لإطعام أنفسهم غير صحيحة. أضاف أنه "في المتوسّط، ​​قد نصل إلى 10 في المائة شهرياً في منطقة محاصرة، والمنطقة المحاصرة هي في الواقع مطوقة. يجب أن نصل إلى 100 في المائة، وهذا أمر غير واقعي. لكن يجب أن نكون قادرين على الوصول إلى أكثر من النصف كل شهر، ونحن لم نحقق ذلك". وقال إن هناك "حالة طوارئ إنسانية في الغوطة الشرقية، ناجمة عن عرقلة وصول المساعدات، ما أدى إلى زيادة نسبة سوء التغذية ستة أضعاف منذ يناير/ كانون الثاني، بمعدل أكثر من واحد من بين كل 10 يافعين".