جدل "المايوه الإسلامي".. حظر ووصاية رسمية على مسلمي فرنسا

جدل "المايوه الإسلامي".. حظر ووصاية رسمية على مسلمي فرنسا

17 اغسطس 2016
يستغل سياسيون بفرنسا حالة الطورائ للتضييق (آتا كينار/Getty)
+ الخط -
مسلسل جَلد مسلمي فرنسا وفرض الوصاية عليهم باعتبارهم غير ناضجين بعدُ، متواصلٌ. وكل الظروف والمستجدات مُناسِبة. فقبل أسابيع كان الأمر يتعلق بالاعتداءات الإرهابية، والآن تصاعد النقاش حول "المايوه الإسلامي"، وتوالت قرارات حظره في عدد من البلديات، ووجد هذا الأمر دعماً ومساندة من لدن "النخبة الفرنسية".

وفي كل مرة يلاحظ المرءُ تبادل أدوار. فقبل أشهر أقدمت وزيرة المرأة، لورانس غوريسنيول، مدعومة بالفيلسوفة إليزابيث بادنتر، على انتقاد "الموضة الإسلامية"، باعتبارها "تستَعبد المرأة"، وطالَبَتا بمقاطعة الماركات العالمية الكبرى التي تنفتح على الجمهور النسائي وعلى سوقه المزدهرة.


وفي الوقت الذي كانت فيه أصوات تطالب باستقالة الوزيرة، التي وصلت إلى السياسة بعد مرورها بجمعية "إس أو إس، عنصرية"، التي أنشأها الاشتراكيون، في ثمانينيات القرن الماضي، لكسب الأصوات العربية الإسلامية وجلب و"تحرير" الفتيات من أصول مهاجرة، بعد أن اكتشفوا أن الشباب بدأوا "يتماهون" مع القضية الفلسطينية، كان رئيس الحكومة مانويل فالس يجدد ثقته فيها.     

واليوم يعود مانويل فالس ليتلقف الأمر. فرئيس الحكومة لا يُطيق، كما هو شأن نيكولا ساركوزي، أن يَغيب عن وسائل الإعلام طويلا. فانضمّ صاحب الجملة الشهيرة "يستطيع اليهودي الفرنسي أن يلبس قلنسوته بفخر"، إلى قائمة المُفتين في قضية "المايوه الإسلامي"، دون أن ينتظر قرار "مجلس الدولة" بعد أن تقدمت جمعية حقوقية بشكوى إثر إصدار عدة بلديات فرنسية عديدة مراسيم تحظُرُ "المايوه الإسلامي".


فقد أعلن فالس، في تصريحه اليوم الأربعاء، لصحيفة "لابرفونس"، عن دعمه لكل المسؤولين الذين حظروا هذا الزيّ في شواطئهم، على اعتباره "تعبيرا عن مشروع سياسي، وعن مجتمع مضاد، يتأسس، بشكل خاص، على استعباد المرأة". وفي الآن نفسه عبّر عن معارضته لفكرة تشريع قانون في هذا الصدد.

ورأى فالس أن هذا الزيّ "لا يتوافق مع قِيَم فرنسا والجمهورية"، وأن على "الجمهورية أن تدافع عن نفسها" ضد ما اعتبره "استفزازا". وهذا الحديث عن "الاستفزاز" كرَّرَه برونو لومير، السياسي اليميني، والمرشَّح لتمثيل حزب "الجمهوريون" في انتخابات 2017 الرئاسية. 

  

وبعد أن عبّر فالس عن موقفه، الذي لم يَسْلم من خلط واضح بين المايوه الإسلامي وبين البرقع، الذي دعا السلطات الفرنسية المعنية لحظره في الأمكنة العمومية (علماً أن القانون دخل حيّز التنفيذ منذ فترة، والكثير ممن تحدَّيْن هذا القانون تمّ تغريمهن)، دون أي استشارة مع المسؤولين المسلمين، قام بتوريطهم، بعد ذلك. فطلب رئيس الحكومة من سلطات الإسلام الفرنسي بأن تعبّر عن موقفها في هذه القضية: "إن السلطات الإسلامية في فرنسا يجب عليها، أيضا، أن تُدين البرقع وتدين، أيضا، كلّ أعمال الاستفزاز التي تخلق شروط المواجَهَة".

وفي ظل تكريس هذه الوصاية الرسمية على مسلمي فرنسا، عبّر مانويل فالس عن دعمه لجان - بيير شوفنمان، الرئيس المُعيَّن لـ"المؤسسة من أجل الإسلام في فرنسا"، في الجدل الذي أثاره شوفنمان، أثناء تصريحه لصحيفة لوباريزيان، حين طالَبَ مسلمي فرنسا، دون غيرهم من مكوّنات فرنسا الأخرى بـ"التحفظ" في الأماكن العامة. فقد عبّرت قطاعات واسعة من مسلمي فرنسا عن غضبها وإدانتها لهذه الوصاية وهذا التمييز. ولكن فالس استدرك الأمر، وقال إن "هذا التحفظ يَفرِضُ نفسَه على الجميع بالطريقة نفسها في الأماكن العامة، وبالحقوق والواجبات نفسها". 


وفي خضم النقاش حول قانونية حظر المايوه الإسلامي، تحدث الأكاديمي سيرج سْلاما، من مركز الأبحاث والدراسات، حول القوانين الأساسية، لصحيفة لاكَرْوا، اليوم الأربعاء، عن مغزى لجوء الساسة الفرنسيين لاستصدار مراسيم، في ظل غياب قوانين. لأن إصدار المرسوم "يرتكز إمّا إلى قضية النظام العام، أو الصحة أو العلمانية أو الأخلاق الحسنة. وهذه الشروط مجتمعة غير متوفرة من أجل حظر هذا الزيّ، لأنه غير البرقع الذي حظره قانون 2011، بسبب إخفائه لوجه المرأة".



وشدد سيرج سْلاما على أن لا علاقة للعلمانية بالأمر، على الرغم من أن كثيرا من السياسيين والإعلاميين يشهرونها. بل إن "حالة الطوارئ هي التي تبرّر، هنا، هذا الحظر العام، وإن الاعتداءات الإرهابية التي عرفتها فرنسا هي التي برّرته. ووفق هذا المنطق، فمن الممكن حظر كل العلامات الدينية في الأمكنة العمومية أثناء حالة الطوارئ".

وفي انتظار قرار مجلس الدولة، الذي يأمُل كثيرٌ من السياسيين الفرنسيين ألا يبتّ في الأمر، أو أن يتمترس خلف ظروف فرنسا الأمنية، فيدع للسلطة التنفيذية أن تفعل ما تراه مناسبا، تتوالى قرارات رؤساء بلديات في فرنسا، من يمين ويسار، بحَظر هذا الزيّ، مستغلة، بشكل انتهازي، الظروف القلقة التي تعيشها فرنسا وأيضا الانتخابات القريبة القادمة.

أما المعنيات بالأمر فلا أحد يستشيرهن فيه. وكما تقول إحداهن من مارسيليا، لقناة إي -تلفزيون: "لستُ أدري لماذا يريدون أن يحرموني من بحري؟ بحري في مارسيليا، حيث ولدتُ وترعرعتُ". في حين أن عالم الاجتماع الفرنسي رافائيل ليوجيي، ينسف كل فكرة عن ازدياد التطرّف في الأمر، فيقول ساخرا: "هل تنظيم داعش هو الذي ينصح النساء بالتوجه إلى البحر في مايوه؟!"، ويضيف: "العكس، بالتأكيد، هو الصحيح".