بالأزرق...

بالأزرق...

04 ابريل 2018
الدمج وليس العزل... هذه حقيقة (Getty)
+ الخط -

كان يوماً مميّزاً بالأزرق. في أكثر من بقعة من المعمورة، بدا الأزرق بارزاً. ثمّة من ارتداه، في حين لوّن آخرون به صور حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ. جهات رسميّة ومدنيّة وأخرى يختلف توصيفها لجأت إلى الأزرق، فصبغت به معالم عدّة.

كان ذلك قبل يومَين اثنَين، في الثاني من إبريل/ نيسان. كان ذلك في اليوم العالميّ للتوعية حول التوحّد. ويتكرّر ذلك عاماً بعد عام. هو يوم واحد، غير أنّه خطوة في سبيل التوعية حول التوحّد، "لتقبّل هؤلاء المصابين به وتفهّمهم ومدّهم بالحبّ". هذا ما تنادي به مؤسّسات تُعنى بالمصابين بالتوحّد، لا سيّما هؤلاء الصغار المختلفين. مختلفون هم، حقيقة لا شكّ فيها. مهلاً، أليس كلّ واحد منّا مختلفاً عن الآخر بطريقة أو بأخرى؟!

بالأزرق تميّز ذلك اليوم، لون السماء والبحر اللامتناهيَين. بالأزرق، ذلك اللون الذي يرتبط بحسب الخبراء في الألوان، بالحريّة والسلام والخيال والثقة والولاء والإخلاص والحكمة. ذلك اللون الباعث على السكينة وذو الفعل المسكّن، فتأثيره إيجابيّ على النفس والعقل والجسد... هو باختصار "لون الروح". وهؤلاء الصغار الذين كان يُحتفى بهم - في حين يُهمَل كبار مصابون بالتوحّد - هم أرواح حلوة. ويليق بهم اللون الأزرق.

بالأزرق كذلك، نُظّمت فعاليات مختلفة للتوعية. لا شكّ في أنّ تلك التي أقيمت في أوروبا وأنحاء مختلفة من القارة الأميركيّة أتت لتخدم الهدف من ذلك اليوم. أمّا في البلدان العربيّة، فلا بدّ من التحفّظ على كثير من تلك الفعاليات، مع الإشارة إلى قلّتها وتواضعها. لسنا هنا في وارد استعراض كلّ ما أقيم، لكنّ ثمّة مبادرة لافتة تستوجب التوقّف عندها.

في مطار بيروت الدوليّ، كانت في الثاني من إبريل/ نيسان مبادرة لتحويل المطار إلى "بيئة صديقة" للأطفال المصابين بالتوحّد، من خلال تجهيز قاعتَين خاصتَين لهم يستطيعون فيهما الحصول على "أقصى راحة نفسيّة". يبدو أنّ القائمين على المبادرة لا يدركون أنّ الدمج هو واحد من الأهداف التي يسعى إليها اليوم العالميّ للتوعية حول التوحّد. الأطفال المصابون بالتوحّد في حاجة إلى دمج وليس إلى عزل. هذا ما يؤكّده المتخصّصون. صحيح أنّ لهؤلاء الصغار تفاعلات اجتماعيّة فريدة، غير أنّهم قادرون على اللعب في مساحات مشتركة مع أطفال أصحّاء، وقادرون على الاختلاط بالناس وإنّ بطريقة متفاوتة. وهذه حقيقة أخرى.


وتبدو القاعتان مساحتَين لإخفاء هؤلاء الصغار عن أعين المسافرين، لا سيّما الفضوليّين منهم. تبدوان مساحتَين لإبعادهم، بهدف تفادي إزعاج المسافرين بـ"تصرّفات غريبة" قد يأتون بها. كأنّما في ذلك عودة إلى أزمنة مظلمة، كان المصابون بالبرص وبـ"الجنون" يُعزلون فيها.

المساهمون