فتاوى غريبة تشغل الموريتانيين

فتاوى غريبة تشغل الموريتانيين

16 ديسمبر 2015
الفتاوى الخاصة بالنساء تستأثر بحصة الأسد (فرانس برس)
+ الخط -

تثير الفتاوى الغريبة التي تظهر من حين إلى آخر في موريتانيا، جدالاً في المجتمع وحنقاً لدى طبقات اجتماعية تستهدفها تحديداً. هي تتجاوز في كثير من الأحيان الخطوط الحمر وتثير النعرات الطائفية في بلد ما زال يعاني من تأثيرات التراتبية الاجتماعية ويحاول التخلص من آثار العبودية وتهميش بعض الطبقات والتمييز بين القبائل.

وتتطرّق الفتاوى المثيرة إلى مواضيع مختلفة كالسياسة والحقوق والتعامل مع الأبناء ودور المرأة والتعاملات المالية وغيرها من شؤون الحياة. وبعض الفتاوى التي تثير نعرات اجتماعية، كثيراً ما تتسبب في خلافات وصراعات بين الأشخاص تصل إلى حدّ ارتكاب جرائم واعتداءات، إما بسبب تطبيقها وإما لرفض البعض مطلقيها ومن يعمل بها.

ومثال على ذلك ما حدث عندما اعتدى ناشطون حقوقيون من مناهضي العبودية على مفتي موريتانيا وإمام الجامع الكبير أحمدو ولد لمرابط، وقد اتهموه بإصدار فتوى ترسّخ ممارسات العبودية في أذهان الناس وتحيطها بهالة من القداسة الدينية. وجاء هذا الاعتداء بمثابة جرس إنذار للفقهاء الذين يحاولون بفتاويهم نشر أحكام فقهية جائرة والترويج أحياناً للعبودية ونكء جراح ضحاياها.

بالنسبة إلى ناشطي حركة "إيرا" الحقوقية الذين اعتدوا على المفتي أحمدو ولد لمرابط، فإن ما قاموا به أتى ردّ فعل طبيعياً على فتاويه وتصريحاته المتحاملة على الحركة، وقد حذّروا من استمرار إصدار فتاوى وأحكام فقهية تمنع العبيد السابقين من نيل حقوقهم.

اقرأ أيضاً: "بلطجة" في بلد المليون شاعر

وتثير الفتاوى حول "المسترقين السابقين" أو "العرب السمر" جدالاً واسعاً في المجتمع وتتسبب في صراعات بين الفقهاء والحركات الحقوقية، كذلك تؤدي إلى حوادث مريبة مثل الاعتداء على الدعاة وحرق الكتب الفقهية التي يدّعي المسترقون السابقون بأنها تشجع على ممارسة الرق وتُستخدم لتبريره من طرف الدعاة. وتظهر من حين إلى آخر فتاوى تمنع هؤلاء من العمل في سلك القضاء وإمامة المصلين والترشح للمناصب العليا ومصاهرة عوائل القبائل العربية. وهنا يحذّر المراقبون من خطورة هذه الفتاوى على السلم الاجتماعي، ويؤكدون أنها توسّع الفجوة الطبقية بين مكونات المجتمع وشرائحه الاجتماعية والعرقية.

ومن الفتاوى الشاذة والمثيرة، تلك التي تشجع على ختان الفتيات في مجتمع يحاول التخلص من هذه الآفة التي ما زالت تنتشر وتبلغ نسبتها 72 في المائة. كذلك فتوى تحريم التأمين على السيارات التي أصدرها الداعية محمد الأمين ولد الشاه مما شجع نسبة كبيرة من الموريتانيين على الاستغناء عن التأمين، خاصة أن الشركات المحلية لا تلتزم بدفع تعويضات مهمة في حالة وقوع الحوادث.

وتبقى الفتاوى الخاصة بالنساء تستأثر بحصة الأسد، خصوصاً تلك تحكم علاقتهن بالرجال وشروط الزواج. ومنها نذكر فتوى حصول المرأة على الطلاق تلقائياً في حال ارتبط زوجها بأخرى وكانت الزوجة قد اشترطت عليها "لا سابقة ولا لاحقة" في عقد الزواج. ويُشار أيضاً إلى فتاوى متناقضة حول شرعية تزويج المرأة نفسها من دون وليّ وبمن ترضاه لنفسها. فقد أفتى بعض العلماء بحقّ المرأة في اختيار من تشاء ولياً لتزويجها من دون موافقة أهلها، فيما حرّم آخرون ذلك مؤكدين على حق الأهل في فسخ عقد الزواج، خصوصاً إذا كان غير متكافئ في النسب.

ولعلّ أكثر الفتاوى إثارة في البلاد، هي تلك التي أصدرها الفقيه والوزير السابق إسلم ولد سيد المصطف وأكد فيها على وجوب عدم تولي المرأة رئاسة الدولة، داعياً كذلك إلى منع المرأة من مواصلة الترشّح. وقد شكلت هذه الفتوى صدمة للمنظمات النسائية والجمعيات الحقوقية، خصوصاً أن الفقيه كان عند إصدارها، مستشارا للرئاسة. في تلك الفترة، كان يسجَّل تراجع في مستوى المناصب الانتخابية الممنوحة للمرأة. وعلى خلفيّة الجدال الذي أثارته هذه الفتوى، أنشأت الحكومة الموريتانية المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، لامتصاص غضب الأحزاب والمنظمات النسائية والحقوقية التي خرجت للتظاهر ضد مصادرة حق المرأة في تولي رئاسة الدولة.

ويقول الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين لـ "العربي الجديد" إن الفتاوى الغريبة أصبحت أكثر خطورة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشرها بحثاً عن أكبر شريحة مؤيّدة، مضيفاً أن "البعض يجد مواقع التواصل الاجتماعي أداة مناسبة للإفتاء ونشر الآراء المثيرة، في حين يحتاج الناس إلى اجتهادات وآراء تواكب متغيّرات العصر ومتطلّبات المجتمع".

اقرأ أيضاً: "هو" لقب جميع الأزواج في موريتانيا

دلالات