الروس يرفعون شعار "لا للإجهاض"

الروس يرفعون شعار "لا للإجهاض"

26 أكتوبر 2016
دعت التظاهرة إلى الحظر الكامل للإجهاض (رامي القليوبي)
+ الخط -
منذ توقيع بطريرك موسكو وعموم روسيا للمسيحيين الأرثوذكس، كيريل الأول، عريضة تطالب بحظر الإجهاض قبل نحو شهر، تعالت في روسيا الأصوات المطالبة بالحظر التام للإجهاض أو فرض قيود صارمة عليه واستبعاده من التأمين الصحي الإلزامي (المجاني).

موقف الكنيسة والأديان من الإجهاض واضح في معارضته، لكنْ، هناك انقسام داخل المجتمع الروسي بين من يعتبر الإجهاض قتلاً، ومن يعتبره حقاً من حقوق المرأة ويحذّر من أنّ حظره سيدفع النساء إلى الإجهاض بشكل غير قانوني، مما يعرّض صحتهن للخطر.

توجت الدعوات إلى حظر الإجهاض بتظاهرة تحت شعار "المعركة من أجل الحياة"، ووقفة بالشموع شارك فيها آلاف الأشخاص وسط موسكو، الأحد الماضي، للتعبير عن رفضهم الممارسة التي تلجأ إليها نحو مليون امرأة روسية سنوياً. رفع المتظاهرون صوراً لأطفال كتبوا عليها أنّهم ما كانوا اليوم بيننا لو أجهضتهم أمهاتهم، وحملوا بالونات للتعبير عن حبهم للأطفال.

يعتبر الناشط الأرثوذكسي، أندريه كورموخين، وهو أحد منظمي التظاهرة، أنّ الإجهاض ليس إلاّ قتلاً للأطفال ولا بدّ من حظره. يقول لـ"العربي الجديد": "الطفل له روح منذ تكونه في رحم الأم. والجنين هو إنسان قرر الله حياته". وحول مدى واقعية حظر الإجهاض في المجتمع الروسي، يضيف كورموخين: "أعتقد أنّ مجتمعنا محافظ إلى حد كبير، كما أنّ هناك إدراكاً براغماتياً أنّه يجب علينا إنجاب أعداد أكبر من الأبناء لحماية أراضي روسيا الشاسعة، خصوصاً أنّ متوسط عمر مجموع الشعب الروسي هو 40 عاماً. إذاً نحن شعب يتجه إلى الشيخوخة".

ولمنع لجوء النساء إلى الإجهاض بطرق غير قانونية، يتابع: "بالتوازي مع حظر الإجهاض، يتعين علينا وضع برامج ومشاريع اجتماعية حتى لا تشعر المرأة أنّها وحيدة".
وسط حرية كاملة لإقامة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، تجد الكثير من الفتيات الروسيات أنفسهن أمام خيار صعب في حال رفض الشباب الزواج منهن بعد علمهم بحدوث الحمل. تكمن صعوبة اتخاذ القرار في أنّ اللجوء إلى الإجهاض قد يجعل الفتاة غير قادرة على الإنجاب في ما بعد. أما في حال قررت الإنجاب فيصعب على الأم تربية طفلها وحدها في ظل ضعف منظومة الرعاية الاجتماعية في روسيا.

لكنّ هذه الصعوبات لم تمنع ماريا، التي حملت عندما كانت في العشرين من عمرها، من الإصرار على الإنجاب. هي الآن لا تتصور حياتها من دون ابنتها التي أطلقت عليها اسم كيرا. تقول ماريا لـ"العربي الجديد": "أنا أم غير متزوجة وأتولى تربية ابنتي بمفردي. يساعدني في ذلك إصراري وعون عائلتي. أعتبر أنّ الإجهاض هو القتل، وهي فكرة استبعدتها تماماً منذ البداية".



تنصح ماريا الفتيات اللواتي وجدن أنفسهن في مثل هذا الوضع، بعدم الإجهاض، بل الإنجاب بلا تردد: "الطفل هو فرحة وسعادة دائمة. هناك صعوبات سواء أكان لديك طفل أم لا، ويمكن تجاوزها في جميع الأحوال".

ليست مسألة الإجهاض ملحة بالنسبة إلى الشابات غير المتزوجات فحسب، بل تلجأ إليه زوجات عندهن أطفال، لعدم توفر إمكانيات مادية لديهن ولدى أزواجهن أو سكن مناسب لتربية أطفال جدد.



مع ذلك، يرى يفغيني، وهو أب لثلاثة أبناء، أنّ المشاكل المادية ليست مبرراً للإجهاض. يقول لـ"العربي الجديد": "نحن لا نخاف من الصعوبات، وإذا رزق الله العائلة بالأطفال، فهو سيساعدها في تربيتهم أيضا".

في المقابل، يعتبر كثيرون في روسيا أنّ زيادة معدلات الإنجاب يجب أن تتمّ عن طريق تحسين منظومة الرعاية الاجتماعية، وليس عن طريق حظر الإجهاض. وترى رئيسة حركة "من أجل حقوق النساء الروسيات"، ليودميلا أيفار، أنّ حظر الإجهاض أو استبعاده من التأمين الصحي يعتبر جريمة ويمثّل خطراً حقيقياً على البلاد، في ظل توجه النساء في هذه الحال إلى إنهاء الحمل بطرق غير قانونية.

تقول أيفار لـ"العربي الجديد": "في عهد الاتحاد السوفييتي حظر الإجهاض عام 1936، وهو ما أدى إلى زيادة وفيات النساء، وزيادة المواليد المرضى، وارتفاع عدد الأيتام. لكنّ الوضع تحسن بعد إلغاء الحظر". تضيف: "أغلب النساء اللواتي يقدمن على الإجهاض في روسيا، سبق لهن الإنجاب، ولديهن أطفال. أما الشابات والشبان فيجب العمل على توعيتهم بخصوص وسائل الوقاية ومنع الحمل وانتقال الأمراض مثل الإيدز".

حول الجانب الديني للقضية تقول: "روسيا ليست بلداً دينياً بل هي دولة علمانية، وينص قانونها على حق المرأة في الإجهاض ضمن خدمات التأمين الصحي الإلزامي. أما استبعاده من التأمين، فسيضطر النساء إلى دفع مبالغ تبدأ من 25 ألف روبل (نحو 400 دولار أميركي) مقابل الإجهاض في عيادات خاصة".

يذكر أنّ المادة 36 من قانون الرعاية الصحية الروسي، بنسختها الحالية، تضمن حق المرأة في الإجهاض مجاناً، ومن دون أية أسباب، خلال الأسابيع الـ12 الأولى من الحمل، ولأسباب اجتماعية مثل وفاة الزوج أو العطل عن العمل وغيرهما خلال الـ22 أسبوعاً الأولى. وتسمح لها بالإجهاض لدوافع طبية، بصرف النظر عن مدة الحمل.

دلالات