لون أفارقة تركيا ينغّص حياتهم

لون أفارقة تركيا ينغّص حياتهم

17 مايو 2016
ربّما لم تعرف المزارعة شيئاً عن أصولها (فازل ساراك/الأناضول)
+ الخط -

تبدأ مدينة إزمير التركية تحضيراتها لمهرجان الدانا الإفريقي الذي يقام في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، ليظنّ المارّ في المدينة أنّ ثمّة محاولات جديدة لاستقطاب السياح. لكنّه عيد الربيع لدى الأفارقة الأتراك.

الأتراك أنفسهم لا يعرفون الكثير عن مواطنيهم من أصول أفريقية، ولا تتوفّر إحصاءات دقيقة حولهم. لكنّ بعض الأرقام المتوفرة تشير إلى أنّ عددهم يترواح ما بين خمسة وعشرة آلاف، وقد حاولوا التخلص من لون بشرتهم من خلال الزواج من أتراك آخرين، تجنباً للتمييز ضدهم.

لا تتوفّر دراسات كافية عنهم، إلا أنّ المعلومات تبيّن أنّ الأفارقة بدأوا يُستقدمون كعبيد خلال عهد الإمبراطورية العثمانية إلى الأناضول، وذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، للعمل في المزارع. كانوا يأتون من مصر والحجاز وطرابلس الغرب وبنغازي، علماً أنّهم يتحدرون من مناطق في وسط أفريقيا وشرقها، ثم ينقلون بواسطة السفن إلى كلّ من إسطنبول وإزمير.

تُعدّ تسمية الأفارقة الأتراك حديثة نسبياً، ويفضّلها الجيل الجديد من ذوي البشرة السوداء، في حين ما زال الجيل القديم يتمسك بتسمية العرب الأتراك. لم يكن وجود الأفارقة الأتراك يقتصر في غرب الأناضول كما هو الآن، بل كان قد امتد إلى جميع ولايات الدولة العثمانية في شرق أوروبا، وانتقل عديدون منهم إلى تركيا آتين من جزيرة كريت ومن اليونان عموماً بعد اتفاقية تبادل السكان بين الأتراك واليونانيين في بداية القرن الماضي. كذلك، ما زال بعضهم يعيشون في قبرص التركية، وقد انضمت إليهم مجموعات من الأفارقة الذين انتقلوا للعيش في تركيا بعد إعلان الجمهورية التركية.

للأفارقة الأتراك قراهم الخاصة. على الرغم من انتشارها في عموم تركيا، إلا أنّ وجودهم يتركز خصوصاً في بعض أحياء المدن الكبرى على شواطئ بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط، كحيّ توربالي ويني جيفتليك وهاسكوي في مدينة إزمير.

يقول رئيس جمعية الأفارقة الأتراك في إزمير مصطفى أولباك أنّ "لا وطن آخر لدينا. ولدنا في الأناضول. نحن أتراك لكننا نريد أن نعرف أصولنا. لا يمكننا التخفّي وراء لون بشرتنا". ويُعدّ أولباك من القلائل المحظوظين الذين استطاعوا معرفة جذورهم. هو يتحدّر من إحدى القبائل الأفريقية في كينيا، وقد استُقدم جدّه وجدته من ضمن العبيد في بداية القرن الماضي إلى جزيرة كريت، ومنها إلى الأناضول. بالنسبة إليه، "كنت محظوظاً بالمقارنة مع الآخرين، بعدما عرفت الجيل الأول من عائلتي الذين قدموا إلى تركيا"، لافتاً إلى أنّ كثيرين هم الأفارقة الأتراك الذين لم يتمكنوا من الحصول على معلومات عن تاريخ أجدادهم أو البلاد الأفريقية التي أتوا منها. لذا، "أنشأنا الجمعية لرغبتنا في زيارة موطن أجدادنا ومعرفة ثقافتنا. لكنّ هذا أيضاً يُعدّ مشكلة أخرى. بالنسبة إلى أجدادنا، نحن رجال بيض ومختلفون عنهم في كلّ شيء".



يبدي أوبلاك والأفارقة الأتراك عموماً، انزعاجهم من التمييز العنصري الذي يمارس في حقهم اجتماعياً، فيدعو إلى تعريف المواطنين الأتراك الباقين إلى الأفارقة الأتراك. يقول: "تُعدّ منطقة الأناضول إحدى أبرز مناطق العالم لناحية الغنى الثقافي. نحن أيضاً جزء من هذا التنوّع، ونودّ أن يرانا الجميع هكذا. التسميات التي تُطلق علينا، على غرار زنوج أو منارة النهار أو أسمراي وغيرها، مزعجة جداً". يضيف: "حتى الشرطة لا تعرف بوجود أفارقة أتراك. في أحد الأيام مثلاً، انطلقنا في ثلاث حافلات لحضور إحدى الفعاليات، فأوقفتنا الشرطة وبدأت التحقق من هوياتنا ظناً منها أننا لاجئون. وحين رأوا هويّاتنا وأسماءنا التركية، ظنوا أنّها مزورة. تكمن المشكلة في جهل الناس. لا بدّ من أن يعرف المجتمع التركي بوجودنا".

يؤكد أوبلاك أن الأفارقة الأتراك لا يتعرّضون لأي تمييز في مؤسسات الدولة، لافتاً إلى أنّ التمييز الاجتماعي مزعج للغاية. يضيف: "يتغيّر موقفهم حين يتعرّفون إلينا. لكنّ مشكلة لون البشرة تظهر مجدداً. حصلت زيجات بين مواطنين سود وبيض، لكنها لم تدم طويلاً بأكثرها. وإذا ما وقع خلاف بين الزوجَين، تطفو على السطح عبارات من قبيل: إلى متى سأبقى مع هذا العربي/ة؟ بعدها، تبدأ ضغوط عائلية للانفصال". هذا الأمر يؤكده شاكر دوغولِر (33 عاماً) الذي يظنّ أنّه يتحدّر من السودان. يذكر أن طفولته كانت صعبة، فقد قضى نصفها جائعاً. "كانت الحياة في القرية سيئة. وحين جئت إلى إزمير للالتحاق بالجامعة، عاملني الجميع كأنني غريب. لطالما تعرّضت للإهانات بسبب لون بشرتي".

من جهته، يقول أحمد سزار (30 عاماً) الذي يعمل في دكان في حيّ توربالي في إزمير: "لا أعرف أيّ شيء عن أصولي. كان جدّ أبي هو الذي أتى إلى الأناضول. في الحيّ الذي أعيش فيه، لا أشعر بأيّ تمييز ضدي. لكن في الخارج، يتغيّر كل شيء. وحين التحقت بالخدمة العسكرية، سألني العساكر: ماذا تفعل هنا؟ المجتمع يتقبل لاعبي كرة القدم السود، لكنه ينظر إلينا بطريقة مختلفة. أريد الزواج لكنني متوتر. تقبّل تركي أسود أمر صعب للغاية".

دلالات