المرأة السودانية سجينة كتاب الأمثال الشعبية

المرأة السودانية سجينة كتاب الأمثال الشعبية

08 مارس 2014
+ الخط -

"المرأة لو بقت فاس ما بتقطع الراس" و"المرأة مرا من الباب ولي ورا" .. "ما يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة" ..

تلك نماذج بسيطة من الأمثال الشعبية السودانية، التي تحكي عن واقع المرأة في السودان وهي أمثال تنال من المرأة وتحط من قدرها، وتحاول حصرها داخل حدود المنزل لخدمة المجتمع الذكوري الذي عادة ما تصوره الأمثال نفسها بالأسطوري والقوي والأحق بالزعامة.

القوانين الخاصة بالمرأة في السودان لم تنفصل كثيرا عن الفهم الذي تحملة الأمثال الشعبية وجاءت بنصوص مجحفة في حقها، وضدها، وركزت على تقييد حركتها والحد من دورها في الحياة.

وتقول القانونية والناشطة في مجال حقوق المرأة، آمال الزين، إن هناك أكثر من 26 قانوناً، على رأسها الجنائي وقانون النظام العام والأحوال الشخصية وقانون الإثبات والمشاركة السياسية تستخدم ضد المرأة، وتصدر بموجبها أحكام بالجلد والحبس، وأشارت إلى وجود باب كامل في القانون الجنائي خاص بجرائم العرض والآداب العامة والسمعة، تمنح رجل الشرطة العادي سلطات واسعة في التقدير عند لحظة الضبط وإحضار المرأة أمام القاضي بحسب تقييمه.

إذ من الممكن أن يعتبر ارتفاع صوتها في الشارع العام جريمة، أو الزي الذي ترتديه، أو تواجدها مع شخص معين في مكان معين، وذلك بحسب تفسير رجل الأمن للقضية، كما أن قانون الأحوال الشخصية أيضا، سلب المرأة حقوقها في الزواج، ومنح الوليّ (من يحق له تزويجها) الحق في تزويج الفتاة من عمر تسعة أعوام، ومنحه سلطات واسعة، على رأسها منع المرأة من الزواج بمن تحب، وإرغامها على الزواج بمن يختاره لها، مع سلبها الحق في فض الزوجية، وأعطى الزوج الحق في منع زوجته من زيارة أهلها أو صديقاتها ويفرض عليها الموافقة على من تزورها في بيته، وإن كان ذلك ضد رغبتها. والقانون في السودان واللوائح المصاحبة التي تصدرها المحليات لا تساوي بين حقوق المرأة والرجل في العمل .

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من "400" ألف امرأة تمت محاكمتهن بالجلد والحبس بموجب قانون النظام العام الذي أصدر في العام 1991 بغرض ضبط الشارع العام والسلوك، ويتدخل في تحديد زيّ النساء وكيفية تحدثهن في الشارع.

كارثة مجتمعية

في الفترة الأخيرة تزايدت حالات الطلاق في السودان بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد وأظهرت آخر الإحصائيات الرسمية ارتفاع نسبة الطلاق إلى 30% أغلبها وسط النساء في سن العشرين.

وتؤكد الخبيرة في مجال علم النفس والناشطة ناهد جبر الله أن ارتفاع حالات الطلاق أمر متوقع بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد، وفي ظل القوانين التي تصادر حقوق المرأة، لا سيما في الاختيار والقرار، وتتيح زواج الأطفال. حيث إن الإحصاءات تكشف أن 30% من الزيجات تتم لفتيات في سن السادسة عشرة عاما. وهذا يمثل كارثة اجتماعية لأن معظم المطلقات من هؤلاء الفتيات.

تدهور مريع

وتؤكد ناهد أن أوضاع المرأة في السودان شهدت تراجعا كبيرا نتيجة للحروب المتواصلة والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية واضطرار المرأة للأعمال الشاقة لتوفير العيش الكريم لأبنائها على الرغم من الهجمة الشرسة الموجهة ضدهن للنيل من حقوقهن. وقالت إن المرأة تعاني على كل المستويات لا سيما في مناطق النزاعات في إقليم دارفور وولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان التي تشهد انتهاكات يومية تهدد الحياة. وأكدت جبرالله أن مصادرة الديمقراطية من قبل النظام الحاكم في السودان أدى إلى تراجع دور المرأة على المستوى السياسي وضيّع المكتسبات التي حققتها في وقت سابق.

ويتفق المدير التنفيذي للمرصد السوداني لحقوق الإنسان، البراق النزير مع ما ذهبت إليه ناهد جبرالله، ويقول إن المرأة في السودان متأثرة بالسياق السياسي العام موضحا أن "النظام الحاكم منذ استيلائه على السلطة في العام 1989م وجّه كل أسلحته إلى المرأة، باعتبار أن لديه فهما للحياة بشكل عام ضدها، لذا نجد أن كل القوانين التي صيغت في بدايات حكمه ركزت على كيفية تقييد حركة المرأة والحد من دورها في الحياة وحصرها في الزواج والإنجاب".  وأشارإلى قانون النظام العام الذي تم إقراره في العام 1919م ليتعدى على خصوصية المرأة ويتدخل في تفاصيل وطقوس حياتها في التجميل والأزياء وطريقة السير والحديث، بحجة المحافظة على التقاليد. وأكد أن المرأة في السودان تواجه أيضا بالعقلية الاجتماعية التي تحملها وحدها مسؤولية أي تدهور أو تفكك أسري في المجتمع.

حقيقة الوضع

مؤخرا، ظهرت منظمات عدة خاصة بالمرأة تعمل على انتزاع حقوقها، والإعلان عن رفضها القاطع للنظر إليها كأنثى مكانها المنزل، وأنها مهما فعلت ونالت من درجات علمية لن تستطيع أن تغير الفهم أنها ضعيفة لا يمكن لها أن تنافس الرجل، وكانت آخر تلك المنظمات مبادرة "لا لقهر النساء" التي تشكلت بسبب قضية الصحفية السودانية لبنى أحمد حسين التي أدينت في المحاكم بسبب ارتدائها البنطال، وقضية الناشطة أميرة عثمان التي تنتظر الحكم عليها في قضية زي فاضح لرفضها الاستجابة لرجل الشرطة بوضع غطاء على شعرها.

ورغم ذلك الحراك إلا أن أوضاع المرأة في السودان خاصة في الولايات، تراوح مكانها، ومازالت المرأة تعاني، ويفرض عليها حصار قانوني واجتماعي، ومازالت الحكومة ترفض الاستجابة لدعوات المنظمات الدولية والإقليمية بشأن التوقيع على اتفاقية "سيداو" إضافة إلى تنفيذ قرار الاتحاد الإفريقي بسحب المواد التي تقر جلد النساء، باعتبارها لا تتناسب مع ميثاق الاتحاد الإفريقي ومذلة للنساء.

المساهمون