معاناة على حواجز الاحتلال في الضفة الغربية

معاناة على حواجز الاحتلال في الضفة الغربية

17 مايو 2018
إذلال يومي (محمد الحاج/ Getty)
+ الخط -


تستمر معاناة العمال الفلسطينيين عند حواجز الاحتلال. وبالرغم من محاولاتهم تجنّب الإجراءات المزاجية للجنود فإنّ الأخيرين لا يبالون بعدد العمال الكبير وانتظارهم الطويل الذي يضطرون إليه للوصول في الوقت المناسب.

على الرغم من أنّ العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة، الذين يعملون في الداخل الفلسطيني المحتل، يعيشون روتيناً خاصاً بهم من أجل الاستيقاظ في وقت مبكر جداً، للتمكن من عبور حواجز الاحتلال للوصول إلى أماكن عملهم، فإنّ ذلك لا يغنيهم عن المعاناة، إذ يضطرون إلى المبيت عند ساعات المساء الأولى، والاستيقاظ قبل الفجر. هم محكومون بإجراءات الاحتلال المزاجية.

على حاجز "300" الذي يقيمه الاحتلال عند المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية المحتلة، والذي يفصلها عن مدينة القدس المحتلة، تعرّض العامل الفلسطيني شريف براقعة (54 عاماً) لأزمة قلبية وهو في طابور الانتظار من أجل العبور إلى عمله في الداخل. يقول براقعة إنّه بسبب حالة الاختناق والاكتظاظ عند الحاجز، شعر بضيق تنفس قبل أن يسقط على الأرض، وبعدها نقل إلى مستشفى الحسين بمدينة بيت لحم وتبين أنّها أعراض أزمة قلبية.

لم يحتمل براقعة إجراءات العبور في المكان الذي يمتد أكثر من مائة متر بعرض ستة أمتار في أربعة مسالك حديدية يقسمها الاحتلال على ثلاث مراحل، في رحلة تستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة من أجل الوصول إلى العمل. عند الحاجز أكثر من ألف عامل فلسطيني يتدافعون للوصول باكراً، يتحكم بهم عدد قليل من الجنود، يذلونهم بطرق مختلفة قبيل السماح لهم بالعبور، وسط جملة من الإجراءات الاستفزازية اليومية التي تنهك العامل قبل أن يصل إلى المركبة التي تقله إلى مكان عمله.

يحمل براقعة تصريحاً من الاحتلال للعمل في الداخل، ويضطر يومياً للاستيقاظ باكراً، والخروج ما بين الساعة الثالثة والنصف والرابعة فجراً، كي يصل إلى عمله في الوقت المناسب، كون إجراءاته الحاجز تستهلك كثيراً من وقته. يتحمل براقعة المعاناة وإذلال الجنود له من أجل إعالة أبنائه الأربعة وتأمين قوتهم اليومي. حقيبته تفتش في كلّ مرة يعبر فيها الحاجز، وسبق توقيفه عند الحاجز مع تعطيل عبور مئات العمال بعد اشتباه جنود الاحتلال بحقيبته، ليتبين لاحقاً أنّ طعامه كان مخزّناً في عبوة معدنية.




يروي براقعة لـ"العربي الجديد" أنّه مرة وضع حقيبته في ماكينة التفتيش، بعدما أفرغ جيوبه من أي قطع معدنية، وأصدرت إنذاراً على أنّها مشبوهة، فاستنفر الجنود، وأجبروه على إخراج طعامه وإلقائه على الأرض، وبعد ساعتين أو ثلاث سمح له ولبقية العمال بالعبور. ويعامل جنود الاحتلال العمال على حاجز "300" معاملة سيئة جداً، وفق براقعة، ويجري تمزيق تصاريح عبور بعض منهم، وحجز تصاريح آخرين، بدافع من مزاج الجنود، وحالتهم النفسية.

من جهته، يضطر العامل علاء عبد الخالق (44 عاماً)، من سكان مدينة جنين شمال الضفة الغربية، للاستيقاظ في الثالثة فجراً لحجز دور له للمرور من خلال حاجز "الجلمة" العسكري الإسرائيلي، شمال جنين، للوصول إلى مكان عمله في الإنشاءات في منطقة قريبة من العاصمة الصهيونية تل أبيب في الداخل المحتل. وبالرغم من أنّ مكان سكن عبد الخالق لا يبعد عن حاجز "الجلمة" سوى عشر دقائق بالسيارة، إلّا أنّه يضطر للاستيقاظ المبكر ضمن رحلة معاناة يومية تستنزف وقته، فيهدر نحو أربع ساعات ذهاباً ومثلها إياباً للوصول إلى عمله والعودة منه، وسط إجراءات أمنية مشددة يخضع لها جميع العمال الذين يمرون عبر الحاجز، كما يقول لـ"العربي الجديد".

يروي علاء رحلة العذاب والإذلال اليومية على حاجز "الجلمة"، بدءاً من انتظار الدور الذي قد يستغرق ساعات عدة، مروراً بالتفتيش بواسطة أجهزة إشعاعية خاصة تكشف أجسام العمال، ما قد يكون له أثر سلبي على صحة العمال، وقد تكون المعاناة مضاعفة إن أغلق الاحتلال معظم مسارب المرور وأبقى على واحد فقط.

أما الشاب مفيد سلمان (24 عاماً)، وهو من سكان مدينة جنين كذلك، ويعمل في محل لبيع الملابس في بلدة برطعة الغربية جنوب غرب جنين، التي فصلها جدار الفصل العنصري عن بلدة برطعة الشرقية، فيستيقظ في الساعة السادسة صباحاً من كلّ يوم، وينتظر على حاجز برطعة العسكري لأوقات قد تصل إلى نصف ساعة قبل أن يسمح الاحتلال بالمرور، وقد يضطر العمال لانتظار مزيد من الوقت، وهو ما يرهق العمال ويهدر وقتهم اليومي. يوضح مفيد لـ"العربي الجديد": "تبدأ عملية التفتيش بعدما تضع كلّ أغراضك الشخصية في مكان مخصص، ثم تدخل إلى المعاطة (بوابة في شكل دولاب حديدي) ثم تدخل إلى آلة إشعاعية خاصة تكشف عن كلّ شيء في جسمك، وبعدها تخضع للتدقيق بواسطة البطاقة الممغنطة التي يمنحها الاحتلال للعمال، ثم تخضع لنظام بصمة العين". يشير إلى أنّه اضطر للحصول على تصريح من الاحتلال بعدما لم يجد عملاً مناسباً في جنين يكفيه بناء مستقبله وحتى معيشته اليومية.




محمد عمرو، عامل فلسطيني آخر من قرية بورين، جنوب نابلس، يبلغ من العمر 30 عاماً، ويقول لـ"العربي الجديد": "آخذ بعين الاعتبار جميع التدابير اللازمة كي لا يؤخرني جنود الاحتلال، لكنّي لا أضمن ذلك، فربما يدقق الجندي بالنقود المعدنية في جيبك، ويدخلك إلى غرفة التفتيش ثانية، ويؤخرك كثيراً حينها، أو يدقق في كيس سكر أخذته معك إلى العمل، أو نوعية أكل... كلّ هذه الأشياء من الممكن أن تجعل الجنود يغلقون الحاجز أمام العمال حتى يتأكدوا أنّك لا تحمل مادة خطيرة".