آخر كلمات الشهيد السايح لزوجته: "فلسطين غالية يا منى"

آخر كلمات الشهيد بسام السايح لزوجته: "فلسطين غالية يا منى"

09 سبتمبر 2019
الشهيد وزوجته منى (العربي الجديد)
+ الخط -


مع كل اتصال على هاتفها المحمول، كانت الفلسطينية منى السايح تضع يدها على قلبها خشية تلقيها أية معلومة تنبئها بتدهور جديد بصحة زوجها الأسير بسام السايح، حتى جاء الاتصال الذي أبلغها أمس الأحد، بأن روح بسام استسلمت لبارئها.

على هذه الشاكلة عاشت الأسيرة المحررة منى أبو بكر السايح السنوات الأخيرة، وهي تتابع عن بُعد الحالة الصحية لزوجها الأسير بسام السايح (47 عاما)، الذي أعلن رسميا عن وفاته أمس الأحد، في مستشفى "أساف هاروفيه" الإسرائيلي، حيث كان يعاني من إصابته بسرطان الدم والعظام.

وتقول منى لـ"العربي الجديد": "إن تدهورا كبيرا طرأ على صحة بسام منذ بداية العام الجاري، حيث توقفت إحدى رئتيه عن العمل، ولم تعد عضلة القلب تقوى على  العمل إلا بقدرة 15 في المائة فقط، ولم يعد بسام يستطيع الكلام إلا بصعوبة بالغة، كما أن أنينه لم يتوقف ليل نهار".

وتضيف "نقلوه من سجن جلبوع إلى مستشفى سجن الرملة، ومكث عدة أسابيع، وبدلاً من أن تتحسن حالته، تراجعت بشكل كبير، فهو لا يحمل من حقيقة كونه مستشفى إلا الاسم فقط، فطلب أن يعيدوه للسجن، حيث سيجد من الأسرى الأصحاء من يعتني به ويحنو عليه". تعقب قائلة: "الرملة مسلخ لا مستشفى، أسوأ بكثير من باقي السجون، وفي جلبوع تحسنت نفسية بسام كثيراً".

لكن تلك الحالة المستقرة ظاهريا لم تدم كثيرا، بدأت الأوجاع تدهم بسام من كل مكان، ولم يعد يقف على قدميه نهائياً، ويلهث دوما عندما يتحدث، ويشعر بضيق نفس وحشرجة في صدره، فجاء القرار بنقله إلى مستشفى "أساف هاروفيه"، وهناك كانت ساعاته الأخيرة.

طريق المقاومة

منى، التي تستقبل المعزيات في بيتها في مدينة نابلس، وخلفها صورة كبيرة لبسام معلقة على الحائط، لم تره منذ فبراير/ شباط الماضي، فتصريح الزيارة لا يعطيها فرصة اللقاء إلا مرة واحدة في السنة، لكنها كانت تتابع تطورات وضعه الصحي إما من خلال اتصاله عبر هاتف "مُهرب"، أو من خلال الأسرى الذي يخرجون من السجن، ويحملون إليها أخباره وظروفه الصحية.

ورغم حالته النفسية الصعبة، تقول منى: "هذه الطريق اختارها بسام بنفسه، كان همه أن يبحث عن الطريقة التي يقارع بها الاحتلال، لم يكن يسأل كثيرا عن مرضه"، مشيرة إلى أن حديثه كان دوما أن "فلسطين غالية يا منى"، "والأعمار بيد ربنا"، فهذه من أكثر العبارات التي كان يرددها كلما سنحت له الفرصة أن يحادثها سرا ولو لدقائق.

وكأي زوجة شهيد، لمنى مطلب أن يوارى زوجها الثرى، "فعلى الأقل، حقي وحق عائلته ومحبيه أن يكون هناك قبر يضم جسده الطاهر، نزوره، ونقرأ عليه الفاتحة، فقد حرمني الاحتلال زوجي وهو على قيد الحياة، هل سيحرمني أيضا أن أكون بقربه وهو ميت". لم تعد تقوى منى على إكمال الحديث، التفّت حولها النسوة، وابتعدنا بكل هدوء، فالمشهد كان عظيما، لا يُوصف بالكلمات.

تسليم الجثمان

أشقاء الأسير الراحل يستقبلون المؤازرين في قاعة تابعة لبلدية نابلس، حيث اكتظت باحتها بالأعلام الفلسطينية وصور الشهيد. ويقول شقيقه الأكبر خلدون: كانت الأشهر الماضية حاسمة، كانت كل الدلائل تشير إلى هذا المصير المحتوم، فماذا تنتظر من جسد نحيل نخره السرطان أن يفعل؟

ويوضح خلدون لـ"العربي الجديد": "ذهبت شقيقاتي لزيارته الخميس الماضي، فلم يكن موجودا، التقوا بأخيه الأسير أمجد، وعندما سألوا عن بسام، أبلغوهم أن وضعه الصحي صعب جدا ونقل مجددا إلى المستشفى".

ويشير إلى أنه وقّع صباح اليوم، على وكالة رسمية لهيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية بالبدء بإجراءات تسليم الجثمان، ويقول: "خسرنا بسام، لذلك نطالب اليوم كافة الجهات الحقوقية بضرورة الضغط على الاحتلال لتسليم جثمانه، ليتسنى لنا مواراته الثرى وفق التعاليم الدينية".

ويخشى خلدون أن يواجه بسام مصير بقية الأسرى الفلسطينيين الذين فارقوا الحياة داخل سجون الإسرائيلية، حيث رفض الاحتلال تسليم جثامينهم، وأبقى عليهم في ثلاجات الموتى.

دلالات