معاناة فقراء مصر تتفاقم بعد حظر الجمعيات الخيرية

معاناة فقراء مصر تتفاقم بعد حظر الجمعيات الخيرية

16 يونيو 2014
فقراء مصريون ينتظرون إعانات أمام إحدى الجمعيات الأهلية (GETTY)
+ الخط -

 

تنتظر "أمّ محمد" بداية كل شهر بفارغ الصبر، كي تبدأ جولتها الشهرية بزيارة الجمعيات الأهلية التي تقدم دعماً للفقراء، وتساعدهم في تحمل تكاليف المعيشة والعلاج والسكن، وهي الأرملة التي تعيل خمسة أبناء، رحل والدهم عن الدنيا وتركها تصارع الحياة وحدها.

"كنت أحصل على 120 جنيهاً شهرياً من جمعية خيرية كنوع من الدعم، إلا أنه بعد قرار حظر الجمعيات، قلّت التبرعات وبالتالي انخفضت قيمة المعونة لـ50 جنيهاً"، تقولها أم محمد التي لم تعد قادرة على مواجهة غلاء الأسعار من حولها، "اضطرت للذهاب لعدة جمعيات لأحصل على 50 جنيهاً من كلّ منها، لأتمكن من العيش" حسب قولها.

اختفى مشهد تجمع فيه مئات الفقراء ومحدودي الدخل في مصر، أمام مقر الجمعية الشرعية، واحدة من أكبر الجمعيات الأهلية الخيرية في مصر، التي شملها قرار الحكومة المصرية في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، بحظر جميع أنشطتها وتجميد أموالها.

لم يعد الفقراء يخرجون في تظاهرات للمطالبة برفع الحظر عن تلك الجمعيات الخيرية التي شملها الحظر، بحجة "انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين"، واختفوا عن المشهد المصري الصاخب، يعانون ويلات هذا القرار، ويحاولون مجاراة الأوضاع، ليتمكنوا فقط من العيش في سلام.

هكذا أصبح فقراء مصر هم المتضرر الأول من قرار الحظر، الذي مضى عليه أكثر من ستة أشهر.

تعيش أم محمد مع أبنائها بين أربعة جدران، بعدما ساعدها فاعلو الخير في بنائها، وتبيع حالياً بعض الخضراوات والخردوات أمام بيتها، لتكسب قوت يومها، وتسد ما بقي من تكاليف معيشية تواجهها يومياً، بالإضافة إلى ما تحصل عليه من الجمعيات الخيرية.

يقول مسؤول بلجنة التواصل الإعلامي بجمعية "رسالة" الخيرية التي لم يشملها قرار الحظر: إن الكثير من الحالات الإنسانية باتت تتدفق على "رسالة" منذ قرار حظر الجمعيات الأهلية الذي أطاح بالمئات منها، و"للأسف في بعض الأحيان نكون غير قادرين على الوفاء باحتياجات كل الحالات التي تردنا، لأن القرار أثر علينا سلباً؛ بتقليل التبرعات التي أصبحت تصلنا من المواطنين العاديين، أو المؤسسات المختلفة ورجال الأعمال وغيرهم".

"بعض الجمعيات أصبحت تتحايل على أزمة قلة التبرعات من خلال تحصيل رسوم 10 جنيهات فقط من كل حالة تحتاج علاجاً أو دعماً شهرياً أو سداد دين، لتتمكن من مساعدة أكبر قدر ممكن من الحالات، ولكن "رسالة" لم تحصل أية رسوم من الفقراء منذ تأسيسها وحتى في أزمة حظر الجمعيات"، يضيف مسؤول اللجنة الإعلامية الذي فضل عدم الكشف عن هويته، لأن عمله الاجتماعي والخيري يتطلب إخفاء الهوية.

أصبح السؤال الوحيد الذي يعجز متطوعو العمل في "رسالة" عن الرد عليه، هو "طيب نروح فين ونعمل إيه؟"، المتكرر على لسان العديد من الحالات التي تعجز الجمعية عن مساعدتها لقلة التبرعات التي أصبحت تصلها بعد قرار الحظر.

وكانت لجنة مشكّلة من قبل وزارة العدل المصرية، يرأسها مساعد الوزير، في أواخر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، أصدرت قراراً بتجميد أموال 1055 جمعية أو فرع لجمعية أهلية، تم حصرها في 72 كشفاً، وتم إرسالها إلى البنك المركزي لتنفيذ القرار. وفور تلقي البنك المركزي القرارَ، أصدر تعميماً إلى البنوك العاملة في مصر، يقضي بتجميد الحسابات المصرفية لتلك الجمعيات، ويمنع القائمين عليها من التصرف فيها.

وبرّرت وزارة العدل قرارها، بأنه تنفيذ لحكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، الصادر في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، القاضي بحل جمعية الإخوان المسلمين وحظر نشاطها ومصادرة ممتلكاتها. حيث شمل الحكم في صيغته التنفيذية قائمة بأسماء جمعيات، أو فروع لجمعيات بزعم أنها ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين، منها جمعية أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية، والجمعية الطبية الإسلامية وغيرها.

من جانبه، قال رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية في مصر، طلعت عبد القوي: إن عدد الجمعيات التي لا تزال تخضع لقرار الحظر وتجميد الأموال كبير، إلا أن وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، عالجت القرار وشكلت لجنة سمحت بعمل تلك الجمعيات، ولكن بعد خضوعها للإشراف الحكومي، خصوصاً الجوانب المالية والإدارية، وشملت اللجنة في عضويتها الاتحاد العام للجمعيات الأهلية.

"تمكنت الجمعيات من العودة لنشاطها تحت إشراف الحكومة، ولكن الأزمة الحقيقية أن نسبة التبرعات التي كانت تصلها قلّت. لم تتوقف التبرعات ولكنها قلت"، هذا ما أكّده عبد القوي، مضيفاً "لا تخضع الجمعيات لمحاذير بالعمل، ولكنها تخضع فقط لإشراف الوزارة أو مديرية التضامن الاجتماعي التابعة لها في كل محافظة".

واختتم رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، حديثه لـ"العربي الجديد" قائلاً: "الآن نسعى في محاولات جادة لإلغاء القرار ورفع الحظر، وذلك بناءً على التقارير التي تردنا من المحافظات المختلفة بعدم وجود شبهة على عمل تلك الجمعيات، وبمجرد انتهائنا من تجميع التقارير، سنرفع تقريرا كاملا للجنة المشكلة بوزارة العدل التي أصدرت القرار، والتي من شأنها إلغاؤه.

هناك مئات أو آلاف الحالات مثل "أم محمد" التي تدور شهريا على الجمعيات الأهلية الخيرية لتحصيل خمسين جنيها من هنا وأخرى من هناك، وهذا ما تفعله "الحاجة كوثر"، التي تتبنى بنفسها مساعدة عدة حالات تحتاج لدعم شهري، من خلال إرسالها للجمعيات الأهلية الخيرية التي تتمكن من مساعدتهم.

تقول الحاجة كوثر: "تمكنت بمساعدة أهل الخير من نقل الحالات الأكثر احتياجا إلى الجمعيات التي لم يشملها قرار الحظر، بمجرد صدور القرار، وبعدها بدأنا في نقل الأقل احتياجا وهكذا"، مضيفة "هناك بعض الحالات التي لا نتمكن من مساعدتها، هي تلك التي تحتاج لإجراء عمليات جراحية باهظة التكاليف، ولا تتمكن الجمعيات الأهلية الصغيرة من تحملها، فقد كانت تلك مهمة الجمعيات الكبرى، مثل عمليات الفشل الكلوي والكبدي والغضروف وخلافه، ولكن بقدر ما نستطع، نحاول تقديم المساعدة".

دلالات