هنود السودان.. أبناء بلد

هنود السودان.. أبناء بلد

19 ابريل 2015
في سوق كسلا تجار قماش هنود كثيرون (العربي الجديد)
+ الخط -

ليس الهنود في السودان طارئين على البلاد، فهم فيها منذ القرن التاسع عشر. وفي سوق مدينة كسلا، شرق السودان، عدد كبير من التجار الهنود الذين يتوارثون محالهم التجارية منذ عقود طويلة، حتى أنّ تأثير تلك المحال يمتد إلى السودانيات اللواتي يرتدين الساري الهندي، ولو على طريقتهن الخاصة، فيبدو وكأنّه رداء معتمد في المدينة.

جاء الهنود إلى السودان في هجرات مختلفة، أهمها عندما بدأوا العمل في مشاريع القطن التي أقامها الاستعمار البريطاني في نهاية القرن التاسع عشر، وبمرور الزمن استوطنوا في البلاد.
وفي كسلا حيّ كامل مسوّر يعرف بـ"حيّ الهنود"، والغالبية العظمى من سكانه منهم، فيما فتح أخيراً أمام السودانيين، بعد أن كان مخصصاً للهنود فقط. وفي الحيّ يتجمع السكان على المصاطب المجاورة للمنازل. ويمكن أن يجد الزائر لافتات إعلانية كتب عليها بالعربية "كوافير".

في الحيّ، باع بعض الهنود منازلهم، وانتقلوا إلى العاصمة أو إلى الهند وبريطانيا. وهو ما سمح لبعض السودانيين بالحلول مكانهم فيه، مما يغير في ملامحه تدريجياً.
ما زال الهنود في السودان يحتفظون بعادات بلادهم التقليدية ويمارسونها بكلّ حرية، ومن ذلك الأعياد وحفلات الزفاف، بل ويشاركهم السودانيون أيضاً فيها. ومع ذلك فالهنود أبناء بلد في السودان أيضاً، فقد تأثروا كثيراً بمحيطهم واندمجوا فيه. فالواحد منهم يستقبل الآخر بذات الطريقة السودانية. وتحيتهم هي عبارة "السلام عليكم". وكثيراً ما يرددون عبارات عربية وسودانية محلية، ومنها: "إن شاء الله"، و"الحمد لله"، و"يا زول (رجل)".

من جهته، يقول تاجر الأقمشة في سوق كسلا، راميش (65 عاماً) لـ"العربي الجديد"، إنه ولد في السودان، وتلقى تعليمه فيها. فقد استقر والده فيها عام 1932. ويضيف أنّ العلاقات بالهند ما زالت مستمرة، فهو وعائلته يزورونها من حين لآخر. لكنّه يتابع: "كلّما خرجت من السودان أعدّ الأيام للعودة. فلست أشعر بالراحة إلاّ هنا".

يتباهى راميش بصداقته مع العديد من السودانيين. ويقول إنّها صداقة دائمة لا تنقطع. وعادة ما يهنئهم في الأعياد والمناسبات ويشاركهم أحزانهم والعكس بالعكس. ويضيف: "إذا دعوت أصدقاء سودانيين إلى المنزل أحاول قدر الإمكان أن أقدم لهم الأكل السوداني". ويردف: "لكننا ما زلنا نحتفظ بالتقاليد الهندية حتى في شكل البيت، وإن اختلفت تسمية الأشياء".
بدوره، يقول راهول (24 عاماً) إنّ لديه أصدقاء سودانيين كثيرين يأكل من طعامهم. وبالرغم من التزام عائلته الديانة الهندوسية ومنعها أكل اللحوم، يقول: "من جهتي، أفعل كلّ ما يفعله أصدقائي السودانيون. ولا أخالفهم فيه".

أما مندرا (67 عاماً)، فهو تاجر ذو صيت واسع في سوق كسلا، ومعروف بخفة دمه، وبمعرفته لعدد كبير من سكان المدينة وزائريها. يقول لـ"العربي الجديد": "اندمجنا في المجتمع السوداني الذي فتح لنا صدره برحابة. فالسودانيون شعب مسالم كما الهنود. وطوال وجودنا هنا شعرنا دائماً بأنّنا جزء من هذه البلاد".
تجاوز عدد الهنود في السودان 60 ألف شخص قبل سبعينيات القرن الماضي. لكنّه بدأ يتراجع منذ ذلك الحين بسبب الركود الاقتصادي، وتأميم الشركات، ليتراجع أكثر بعدها بسبب التدهور الاقتصادي في البلاد.

يقول رئيس الجالية الهندية في كسلا، بارت شويلال، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تعداد الهنود الموجودين حالياً في المدينة لا يتجاوز150 شخصاً من 50 عائلة". ويشير إلى أنّ "العدد وصل سابقا إلى 400 شخص، فقد عادت عائلات كاملة الى الهند".
ويوضح أنّ الهنود "اندمجوا تقريبا في المجتمع السوداني، لكنهم حافظوا على ثقافتهم". ويضيف: "أكثر ما يحبه الهنود الفول والطعمية". وفي ما يتعلق بالتجارة، يشير إلى أنّ نحو نصفهم يعمل في تجارة الأقمشة والإلكترونيات والعطور.
من جهته، يقول الحلاق، جلكيش بلاج، الذي يملك محلاً وسط المدينة، إنّ زبائنه هنود وسودانيون. كما أنّ شهرته جعلته حلاقاً "لأعيان المدينة والمسؤولين فيها".

بدأ بلاج عمله عام 1972، وهو يواكب موضة الحلاقة الشبابية في السودان منذ ذلك الحين. يتحدث اللهجة السودانية بطلاقة. ويقول إنّه يشارك أصدقاءه السودانيين أفراحهم وأحزانهم. ويحفظ الأغاني السودانية، لا سيما القديمة منها. وكذلك يحب المأكولات السودانية، كالملوخية والزلابية ومشروب الشربوت. كما أنّ ابنته لا تذهب إلى جامعتها إلاّ بالتنورة والقميص والطرحة شأنها شأن رفيقاتها السودانيات بالضبط.