أوروبيون درجة ثانية.. تمييز سلبي في مقابل "الرجل الأبيض"

أوروبيون درجة ثانية.. تمييز سلبي في مقابل "الرجل الأبيض"

15 فبراير 2016
هؤلاء الشباب ليسوا من الباحثين عن مشاكل (العربي الجديد)
+ الخط -

جواز السفر الأوروبي لم يعد امتيازاً لمن ولدوا كأوروبيين، لكن من أصول مهاجرة. يتعرض هؤلاء للتمييز في المطارات الأميركية والعربية ولا تتحرّك بلدانهم من أجلهم حتى يحسبوا أنفسهم مواطنين درجة ثانية.

يسرا ومحمد وميرفت وشيرين مواطنون أوروبيون بالمولد، لكنّهم من أصول عربية وإيرانية. تجمعهم المرارة من جنسيتهم الأوروبية التي أثبتت لهم بعد بلوغهم الثامنة عشرة أنّها لا تحمل الدرجة نفسها لزملائهم الغربيين.

تستغرب يسرا، التي تعرضت لمشكلة في دولة غير أوروبية وهي في بحث ميداني ضمن دراستها، كيف أنّ سلطات بلدها التي لا تحمل جنسية غير جنسيتها وتعرف لغتها ولغات أوروبية أخرى فقط، لم تأبه كثيراً لحالتها. تقول لـ"العربي الجديد": "بصدق، أصبت بصدمة وإحباط كبيرين. لم أكن أصدق ما كان يقوله غيري بل أواجه ذلك بلا مبالاة. لم ينفع جواز سفري الأحمر ولم تتدخل وزارة خارجية البلد الذي أنتمي إليه في قضيتي كما ينبغي".

محمد من ناحيته وبالرغم من أنه يحمل جنسية بلد أوروبي ولا يعرف ما معنى كلمة اندماج، لأنه في الأساس يتصرف كمواطن أوروبي، فوجئ بعد وصوله إلى المطار في الولايات المتحدة الأميركية بتعامل السلطات الأمنية معه. يقول: "أخذوني جانباً، بالرغم من أنّ أوراقي واضحة. وتدخل موظفو الهجرة ليسألوا عن جنسيتي، وحين أخبرتهم بأنهم يعرفون من جواز سفري، راحوا يسألون عن أصلي وعما إذا كنت أحمل جنسية أخرى... وأنا لا أملك جنسية أخرى فوالدي ووالدتي لاجئان من عكا (فلسطين المحتلة) ومن دون جنسية أساساً.. وجدت نفسي مطروداً على طائرة أعادتني إلى بلدي الأوروبي عبر بلد ثالث".

شيرين لا تختلف قصتها كثيراً، فقد أعيدت إلى بلدها الأوروبي قبل فترة بالطريقة نفسها. يتحدث الشباب لـ"العربي الجديد" عن "تمييز إثني" يتعرضون له. سافر ياسر ويحيى إلى بلد عربي كسائحين مع مجموعة من السائحين الأوروبيين. يقول ياسر: "كنت أفاخر أنّ للعرب أيضاً مناطق سياحية، وأقول للسائحين على الطائرة: لا بدّ أنكم ستستمتعون بكرم ضيافة العرب. بعضهم كان في مثل عمري ومن ذات المدينة التي أعيش فيها. حين حطت الطائرة تناول ضابط في المطار جوازي سفرنا أنا ويحيى. مرّ الفوج السياحي بكل انسياب وهم ينظرون إلى الخلف وكأنهم يستهزؤون بكلامي عن كرم الضيافة...".

أعيد الاثنان إلى بلدهما بعد موجة غضب في المطار وصلت إلى حد انتقادهما الفساد والبيروقراطية. يقول: "نسيت أنّ هؤلاء الضباط يعتبرون أنفسهم ملائكة فوق البشر. هددونا بالسجن إن لم نصمت. بقينا على أرض المطار حتى اليوم التالي عندما قبلت شركة عائدة أن تأخذنا معها من دون أن نشهد على كرم الضيافة العربية، إلاّ ما رأيناه من الأمن!".

اقرأ أيضاً: الدنمارك تتخلّف حقوقياً

شكاوى هؤلاء الشبان والشابات من أصل مهاجر لا تخص فقط سلطات الولايات المتحدة والدول العربية التي تستنفر حين تسأل عن "الأصل والاسم الرباعي بالرغم من أننا لا نستخدمه". بل كذلك هنالك غضب من سلطات بلادهم التي يحملون جنسيتها والتي لا تحرك ساكناً ولا تسأل عن قضيتهم.

يقارن يحيى ومثله تفعل يسرا وغيرهم من ذوي الأصل العربي، ممن تحدثوا إلى "العربي الجديد"، بينهم وبين مواطنين آخرين: "ماذا سيحدث لو أنّ أوروبياً أبيض اللون، وباسم آخر، احتجز وأهين في مطار عربي؟ بالتأكيد لن تنام الخارجية. والصحافة المحلية ستتحدث عن قصته... من هنا نكتشف أننا بالفعل مواطنون أوروبيون، لكن من الدرجة الثانية..." يقول يحيى.

في هذا الإطار، تبرز قصة الشاب سعيد، وهو من أصول فلسطينية. سافر قبل أشهر في رحلة سياحية إلى مصر، وتعرض إلى ضرب مبرح، من دون أن يعرف كيف يسأل ضاربيه، بلغة عربية لا يجيدها، عن سبب الاعتداء عليه. كلّ ما فعله يومها أنّه قال لمجموعة من العمال إنّه ولد في أوروبا ومن جنسية أوروبية لكنّ أصله فلسطيني. قطع رحلته وأخبر شركة السياحة بما حدث على أمل التحرك. لكن، لم يحدث شيء في القضية سوى مساعدته على المغادرة وتلقي العلاج في البلد الذي يحمل جنسيته. أما بخصوص الشرطة المصرية فيقول لـ"العربي الجديد": "هؤلاء فاسدون ولست معتاداً على ذلك النوع من الشرطة. قلت لهم بالإنجليزية: انسوا الموضوع لا أريد شيئاً منكم.. دعوني أذهب إلى الفندق. كانوا يقهقهون بالرغم من أنهم يعرفون المعتدين".

هؤلاء الشباب ليسوا من الباحثين عن مشاكل أو المتورطين في شيء ما. هم موظفون أو طلاب في بلدانهم الأوروبية. كلّ ما رغبوا فيه السفر بهدف بحث أو عمل ما أو حضور دورة أو حتى من أجل السياحة. لكن، يبدو أنّ الأصل المهاجر يلعب دوراً كبيراً وحاسماً، في كيفية التعاطي مع قضايا هؤلاء المواطنين، ولو كان بعضهم من الجيل الثاني والثالث للمهاجرين.

أخيراً، لم تتردد الولايات المتحدة في الإعلان بصراحة عن تشديد القوانين الخاصة بدخول الشبان والشابات الأوروبيين من أصول مهاجرة، خصوصاً من يحمل أهاليهم جنسية أخرى غير الأوروبية، وبالذات من العراق أو إيران أو السودان أو سورية.

لا تبدي كثير من الحكومات الأوروبية اهتماماً كبيراً بمعاناة هؤلاء المواطنين. وتجري معاملة المئات من حاملي الجنسيات الغربية الأوروبية، بحسب ياسر وآخرين، بشيء من الاستهتار "وباعتبارنا مواطنين من الدرجة الثانية".

اقرأ أيضاً: ليست جنة.. لاجئون يريدون العودة إلى أوطانهم

وبالرغم من أنّ المواطنين الأوروبيين يمكنهم الوصول إلى مطارات الولايات المتحدة، وبعض المطارات العربية، والحصول على التأشيرة فيها، إلاّ أنّ شكوكاً كبيرة باتت تسيطر على تفكير ذوي الأصول المهاجرة. فالولايات المتحدة تطالبهم بالتقدم بطلبات قبل سفرهم إليها، وترفض طلبات بعضهم، كما تجري إعادة بعضهم إلى موطنه بالرغم من حصوله على التأشيرة مسبقاً.

قصة الشابة مريم المولودة في السويد، من أصل إيراني، والتي ذكرتها الصحف المحلية قبل أيام، تمثل نموذجاً لطريقة التعامل الأميركي الذي يستهتر بالجنسية التي يحملها الشباب الأوروبيون من أصحاب الأصل المهاجر. حين تقدمت مريم بتأشيرة زيارة إلى الولايات المتحدة وانتظرت ثلاثة أشهر للحصول على جواب العام الماضي طالتها الإجراءات الأميركية. وبالرغم من أنها كانت في زيارة سابقة إلى أميركا، فإنها كأوروبية وجدت نفسها معرضة لتلك الإجراءات بسبب امتلاك والديها جنسية مزدوجة سويدية وإيرانية. وهو ما ينطبق على أردنيين ومصريين وغيرهم حيث تسمح القوانين الجديدة في عدد من دول شمال أوروبا بالجنسية المزدوجة. رفض طلب مريم. هي تؤمن أنّ ما مورس ضدها وضد غيرها يعد تمييزاً بحق شباب يريدون ربما الدراسة وأخذ دورات في الولايات المتحدة، بينما تتصرف السلطات الأميركية "بعكس ما تدعيه من مبادئ".

ما يقوله هؤلاء الشبان والشابات، سواء كانوا فلسطينيين أم لبنانيين، أو من أي أصل عربي آخر، عما يلقونه من معاملة في بعض المطارات العربية "يجعلك تشعر بإحباط شديد وكأننا مشبوهون وغير مرحب بنا" بحسب أحدهم. والمثير هو ما يتحدث به سعيد إلى "العربي الجديد": "كنا نسافر إلى فلسطين من ضمن مجموعات التضامن. أوقفنا في المطار وجرى التحقيق معنا، ومنع الاحتلال الإسرائيلي دخولنا إلى فلسطين المحتلة. بعد فترة سافرنا إلى بلد عربي فوجدنا أنفسنا أمام نفس طريقة التعامل. يحققون معك عن الأصل وتاريخ العائلة بينما لا أحد يوقف جون وبريجيتا في مطار عربي ليسألهما الأسئلة نفسها". يتابع: "نحن نشعر أنّ مهزلة تحدث. فبعد أن نبني آمالاً من أجل التعرف على بلادنا وربما الدراسة في بلد عربي والعمل فيه، نواجه بمثل هذا الأسلوب". يضيف: "حين تتصل بوزارة الخارجية في بلدك الأوروبي تشعر بطعنة حين يقولون لك: أنت من اصل عربي وذلك بلد عربي".

يشعر الشباب بأزمة هوية ومواطنة إزاء هذه التصرفات. فيحسبون أنفسهم غير كاملي المواطنة في بلدهم الأوروبي، ويجري التصرف معهم كمشبوهين في بلادهم العربية من دون أن يدافع أحد عنهم. يقول سعيد: "ما الضرر الذي سأفتعله إذا كنت شاباً من أصل فلسطيني، ورغبت في زيارة بلد عربي؟ كنت أسمع من والدي سابقاً أنّ البلاد العربية طاردة، والآن أختبر ذلك بنفسي كأوروبي".

لا يقتصر الأمر على أميركا والدول العربية، فبعض الشباب يشيرون إلى أنّ تركيا أيضاً باتت تطبق بحقهم "تشديدات، حتى لو كنا مع أسرتنا. لا نفهم ما معنى هذه التصرفات تحديداً بحقنا بينما نحاول أن نتعلم شيئا عن ثقافتنا من المناطق التي ينحدر منها أجدادنا".

اقرأ أيضاً: إبعاد المهاجرين.. الهاجس يتحقق في شمال أوروبا

دلالات