فقّاعة بلون الورد

فقّاعة بلون الورد

24 سبتمبر 2014
وتضع شتلة الجيرانيوم بالقرب من كرسيّ القشّ الواطئ(عن فيسبوك)
+ الخط -

تحمل علبة الكرتون المستطيلة التي وضّب فيها صاحب المشتل ما اشترته هذا الصباح، تُقفل سيارتها وتتجّه إلى مدخل البناية. التيار الكهربائي مقطوع والمصعد خارج الخدمة. ما من خيار أمامها، إلا أن تصعد الطبقات الأربع على قدمَيها.

تصل إلى شقّتها، لاهثة. تتّجه مباشرة إلى الشرفة. هنا، حضّرت مسبقاً عدّتها. تضع العلبة على الأرض، قبل أن تشغّل الموسيقى. وتبدأ بنقل شتولها من أوعيتها البلاستيكيّة السوداء إلى تلك الآنية الملوّنة التي كانت قد انتقتها بعناية.

"إسأل عن اللي يقضّي الليل بين الأمل وبين الذكرى.. يصبّر القلب المشغول ويقُلّه نتقابل بكرا (...)" وتمضي أم كلثوم بـ "يا مسهّرني". واحدة من أغنيات "الستّ" المفضّلة، لديها.

برِفقٍ تضع شتلة الجيرانيوم (إبرة الراعي) في إناء من الفخّار، بالقرب من كرسيّ واطئ من القشّ يذكّرها بكراسي تلك الأيام الغابرة عندما كانت هي وشقيقها البكر وشقيقتاها صغاراً يلعبون بين زرّيعة والدتها. الوالدة تعشق الأزهار. لكن الشابة لم تظنّ في يوم أنها ستشاركها عشقها ذاك.

وتعود إلى زرّيعتها، فتضع حبات فيتامين في تربة حوض الغاردينيا الصغير. وتفخَر بالأزرار البيضاء الثلاثة. تبتسم، قبل أن تلتقط صوراً لتلك الأزرار وتحمّلها على صفحتها على موقع "فيسبوك".

شتولها وأزهارها، هي فقّاعتها التي تقيها من ذلك الجنون المستشري من حولها. "فقّاعة" -كما تقول- تُنسيها ولو لبُرهات أخبار الخطف والذبح والتهجير و"داعش" وكل مشاهد الدم والدمار والسواد التي تتصدّر يومياتنا. تعزل نفسها فيها، قبل أن تعود مراراً وتكراراً لتتورّط في واقع لم تختره في منطقة تعشقها.. عشقاً هو أشبه بلعنة أزليّة. منطقة تبنّت قضاياها ونكباتها ومآسيها، وأُولِعَت بشِعرها وموسيقاها.

وتُردّد الستّ "أقُل لروحي أنا ذنبي إيه.. يقُلّي قلبي حلمَك عليه"، أما الشابة فتضع شتلة الأزالية في الحبل المفتول المزخرف وتعلّقه بعُقافة حديديّة كانت قد ثبّتتها في سقف الشرفة المطلّة على وادٍ سحيق قبل أن يظهر البحر في الأفق.

وعلى الرغم من فقّاعتها التي تتحصّن بها، لا تنجح في ردع نفسها عن التفكير بموقع سكنها وباحتمال استهدافه من البحر في حال وقعت حربٌ مع إسرائيل، مثلاً. وهذا الوادي؟ ما احتمال أن يكون بمغاوره معقلاً لهؤلاء التكفيريّين الذين يجتاحون المنطقة ويقتلعون من لا يبايعهم من أرضه؟ وتجزع.

تُقرّر العودة إلى فقّاعتها. فتملأ المرشّة الصفراء ماءً وتسقي زرّيعتها الجديدة وشتلة الورد الجوري التي كانت قد أعطتها إياها والدتها، قبل أسابيع. هي أيضاً تفتّحت أزرارها، الخمريّة.

المساهمون