هل تقود إيطاليا أوروبا نحو كارثة مالية جديدة؟

هل تقود إيطاليا أوروبا نحو كارثة مالية جديدة؟

29 مايو 2018
مظاهرات ضد الحكومة الإيطالية في روما (Getty)
+ الخط -

يهدد هروب المستثمرين المتواصل من السوق الإيطالية، بحدوث أزمة مالية وشيكة في ثالث أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو، حيث يواصل المستثمرون في أدوات المال الإيطالية البيع المكثف لسندات الخزانة وأسهم البنوك الإيطالية التي خسر بعضها قرابة 20% من قيمة رأس ماله السوقي خلال الأسبوعين الماضيين، كما فقدت بورصة ميلانو 3%.

كما ضربت تفاعلات الأزمة السياسية في إيطاليا وما يصحبها من فوضى، سعر صرف اليورو الذي انحدر إلى أدنى مستوياته منذ العام 2013.

يحدث ذلك وسط عمليات بيع واسعة ومتواصلة لا تقابلها مشتريات في سوق الصرف، وهو ما يهدد بهبوط أكبر للعملة الأوروبية خلال الشهور المقبلة، في وقت يزداد فيه الدولار قوة.
وحتى الآن يتزايد فارق الهامش بين العائد على السندات الألمانية والإيطالية، في إشارة واضحة إلى عدم ثقة المستثمرين في الاقتصاد الإيطالي الذي أصبح يعاني من أزمتين، أحدهما سياسية وأخرى مالية.

وتتجه إيطاليا لإجراء انتخابات جديدة خلال أشهر بعد دخول البلاد أزمة سياسية إثر انهيار محادثات تشكيل حزبين شعبويين لائتلاف حكومي.

ونجمت الأزمة عن رفض الرئيس سيرجيو ماتاريلا تعيين المعارض للاتحاد الأوروبي باولو سافونا وزيراً للاقتصاد، ضمن ائتلاف حكومي بين حزب "ليغا" اليميني المتطرف وحركة "خمس نجوم" المناهضة للمؤسسات التقليدية.

وقوبل رفض الرئيس الإيطالي تعيين سافونا وزيراً للاقتصاد بدعوات لعزله، بعد أن كانت الحركة والحزب انخرطتا في مفاوضات استمرت لأسابيع لمحاولة تشكيل ائتلاف حكومي.
ويتزايد قلق الأسواق المالية بشأن الانتخابات، التي قد تُجرى في أغسطس/ آب المقبل، والتي قد تكون أشبه باستفتاء على دور إيطاليا في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. وربما تعزز هذه الانتخابات موقف الأحزاب المشككة في اليورو وتعيد مخاطر الحركات الشعبوية إلى الواجهة مرة أخرى بعد هزيمتها في فرنسا.

وسط هذه الأجواء تسود حالة من الذعر بين كبار المتعاملين في الأدوات الثابتة الأوروبية، بما في ذلك السندات الحكومية وسندات الشركات المصدرة باليورو.

وشهدت سوق السندات في إيطاليا موجة بيع قوية خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، الأمر الذي دفع العائد على الديون الحكومية للصعود لأعلى مستوى في عدة سنوات.

وارتفع العائد على الديون الحكومية الإيطالية لآجل عامين إلى 2.233% بعد أن سجل 2.306% في وقت سابق من الجلسة الصباحية في روما، وهو الأعلى في نحو 5 سنوات.

كذلك، ارتفع العائد على السندات الإيطالية أعلى من مستوى 2% للمرة الأولى منذ يوليو/ تموز 2013. وخلال الفترة ذاتها، صعد العائد على السندات الحكومية في إيطاليا لآجل 10 سنوات إلى 3.291% وهو أعلى مستوى منذ تعاملات مارس/ آذار 2014، علماً أنه توجد علاقة عكسية بين أسعار السندات والعائد على تلك الديون الحكومية.


وفي سوق الأسهم، تراجع مؤشر "فوتسي آي.بي.إم" الإيطالي في تداولات اليوم بنسبة 2.8% ليتراجع إلى 21323.05 نقطة فاقداً 609 نقاط.

ومنذ أسبوعين تتفاعل أزمة إيطاليا السياسية، لتلقي بظلالها الكثيفة على سوق المال الإيطالي، الذي شهد شبه انهيار في أسهم البنوك، خاصة تلك التي تعرضت للإنقاذ من الإفلاس في السابق، كما لم تسلم أسهم بعض المصارف الكبرى من تكبد خسائر فادحة، حيث خسرت أسهم البنوك التي أنقذتها الحكومة الإيطالية من قبل حوالى 20% في المتوسط.

كما خسرت مصارف كبرى نسب كبيرة من رأس مالها السوقي، حيث انخفض سعر سهم مصرف أنتيسا سان باولو، وهو من كبار البنوك في إيطاليا، بنسبة 18%، كما خسر سهم "يوني كريدي" حوالى 10% من قيمته خلال أسبوعين.

ومن المتوقع أن تؤثر أزمة المصارف الإيطالية، إذا تفاعلت بشكل مباشر على التصنيف الائتماني للبلاد التي تعاني أصلاً من أزمة ارتفاع الديون غير العاملة وتلك المشكوك في تحصيلها، وربما تعيد أوروبا مرة أخرى إلى العام 2011، حينما بدأت أزمة المصارف تتحول إلى أزمة أوروبية شاملة أدت إلى أفلاس عدد من الدول واحتاجت إلى عمليات إنقاذ كبرى.

ومن المتوقع أن تنعكس الأزمة سلباً على القطاع المصرفي الأوروبي، خاصة البنوك الكبرى المقرضة لإيطاليا حسب مراقبين.

ويقدر بنك التسويات الدولية في دراسة حديثة عن المصارف الإيطالية، أن ديون الحكومة الإيطالية تمثل حوالى 20% من إجمالي أصول المصارف الإيطالية.

يذكر أن الحكومة الإيطالية ظلت لفترة طويلة تعتمد على برنامج "التحفيز الكمي" في تمويل عجز الميزانية وعلى مشتريات البنوك الإيطالية للسندات التي تصدرها الخزانة.

ومن بين البنوك الأوروبية المتوقع أن تتأثر بأزمة المصارف الإيطالية، كل من بنك باريبا الفرنسي الذي تقدر ديونه على البنوك الإيطالية بحوالى 16 مليار يورو ومصرف" دكسيا"، البلجيكي الفرنسي الذي يقدر حجم قروضه للمصارف الإيطالية بحوالى 15 مليار يورو.

وانعكست أزمة إيطاليا بشكل مباشر على سعر صرف اليورو، الذي بلغ أدنى مستوى له في ستة أشهر ونصف الشهر أمس الثلاثاء، منخفضا لليوم الثالث على التوالي، في الوقت الذي تشهد فيه أسواق السندات الإيطالية عمليات بيع جراء تنامي المخاوف السياسية هناك، مما يدفع المستثمرين للتخلي عن العملة الموحدة.

وانخفض اليورو لما دون 1.16 دولار للمرة الأولى في أكثر من نصف العام، متراجعاً بنسبة 0.3%. ومقابل الفرنك السويسري انخفض اليورو بالنسبة ذاتها إلى 1.1528 فرنك. وبذلك يكون اليورو قد خسر ما يزيد على 4.0% منذ بداية الشهر، وهو بصدد تسجيل أكبر انخفاض شهري في أكثر من 3 سنوات وفقا لبيانات تومسون رويترز.

المساهمون