سد النهضة... قرب اندلاع أزمة مياه في مصر

سد النهضة... قرب اندلاع أزمة مياه في مصر

26 أكتوبر 2017
السد الإثيوبي قد يقلص بشدة تدفق نهر النيل (Getty)
+ الخط -
رجّح تقرير لمركز كارنيغي، أن سنة 2018 المقبلة ستحمل في ثناياها توترات حادة بين مصر وإثيوبيا حول الماء، بعدما تبين فشل اتفاق محوري عُقد قبل عامين بين البلدين إلى جانب السودان، فيما تقترب مصر أكثر فأكثر من أزمة مياه غير مسبوقة، ما قد يتسبب في فقدان جزء كبير من الرقعة الزراعية

وأضاف التقرير الذي جاء بعنوان: "نهر السخط، السد الإثيوبي قد يقلص بشدة تدفق نهر النيل، ويجعل مصر جافة وتفتقد الماء"، أن مصر لم تُظهر أي دليل على أنها تُدرك المخاطر الجمّة التي تُقبل عليها في مجال استخداماتها للمياه.

ويرى التقرير أن مصر التي تحصل على نحو 85% من تدفقات المياه الواردة إليها من تساقط المطر فوق المرتفعات الإثيوبية، وعلى رغم أنها بلد فقير في المياه ويشهد انفجاراً سكانياً سريعاً بلغ حتى الآن نحو 100 مليون نسمة، لا تبدو مدركة حجم المخاطر التي تُقبل عليها.

وتستعمل مصر 86% من مياهها للزراعة، معظمها من خلال أسلوب الري بالغمر التقليدي، ما يتسبب بخسائر كبرى عبر التبخُّر.

ووضعت الحكومة المصرية خطة قالت إنها لمواجهة تشغيل سد النهضة، تقوم على الحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه، خاصة زراعات الأرز مع حظر تصديره نهائياً، فضلاً عن الحد من زراعات قصب السكر، وتشجيع التوسع في زراعة قصب البنجر، والحد من زراعات الموز، وقصره على الأصناف قليلة الاستهلاك للمياه، والاتجاه للتوسع في زراعة الصوب لترشيد استهلاك مياه الري، وزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية.

وتشمل الخطة، تخفيض المساحات المقررة زراعتها بالأرز لتصل إلى 700 ألف فدان، بدلاً من مليون و100 ألف فدان، بنسبة تخفيض تصل إلى 28%، على أن تتم مضاعفة غرامات الأرز وإنشاء 100 ألف صوبة وإعادة تدوير ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي.

وفيما يوشك بناء سد النهضة على الانتهاء وتبدأ إثيوبيا استعداداتها لملء خزاناته، ويتوجّه السودان لوضع خطط تهدف إلى استخدام المزيد من تدفقات النهر، تتجلى في الأفق بوادر اندلاع أزمة مياه في مصر. مثل هذه الأزمة لن تُضاف إلى المتاعب المحلية الكبرى التي تعيشها مصر فقط.

وكشف التقرير عن أن الحكومة الإثيوبية تُقدّر زمن ملء خزان سد النهضة بما بين 5 و6 سنوات؛ في حين أن المسؤولين المصريين يجادلون بأنه من الضروري أن يكون زمن الملء أبطأ ويتراوح بين 12 و18 سنة بسبب الحاجة إلى ضمان استقرار المياه.

وتتكهّن دراسة أجرتها الجمعية الجيولوجية الأميركية، بأنه مع زمن ملء يبلغ 5 إلى7 سنوات، سينخفض تدفق مياه النيل العذبة إلى مصر بنسبة صادمة تبلغ 25%، ما سيقلّص ليس فقط الاستهلاك المتوافر للمياه بل أيضاً ثلث الكهرباء التي يولّدها السد العالي.

وعانت مصر من سلسلة من النكسات الدبلوماسية مؤخراً، حين قام السودان، الجار الجنوبي الذي كان يخضع تقليدياً إلى نفوذ القاهرة، بتغيير تحالفاته. واصطفّ السودان إلى جانب إثيوبيا، لأنه قدّر أن سد النهضة قد يزيد امكاناته الزراعية وذلك بمساعدة استثمارات كثيفة من السعودية والإمارات، اللتين تتوقان إلى تحسين أمنهما الغذائي.

كما أبرمت الخرطوم اتفاقية لشراء الكهرباء من إثيوبيا. وحينها، انقلبت مصر إلى جنوب السودان كشريك واستقبل السيسي رئيس جنوب السودان في القاهرة.

وبحثت مصر دولياً عن حلفاء لمساعدتها على تسوية أزمة سد النهضة. ففي آب/أغسطس، على سبيل المثال، أعلنت مصر وألمانيا عن اتفاقية تعاون بينهما وتطرقتا إلى معالجة النزاع على مياه النيل. وقد واصلت ألمانيا تطبيق اتفاقية التعاون التي تبلغ 1.7 مليار يورو مع مصر، والتي تركّز على الماء من بين قضايا عدة أخرى.

لكن، على رغم بعض الاهتمام من المانحين بمشكلة الماء التي تزداد مخاطرها وضوحاً في مصر، إلا أنه يبدو حتى الآن أن مشاريع التنمية لتحسين أداء استخدامات المياه (وهو الحل العقلاني لهذه المشكلة)، ليست بالحجم المطلوب، ولا هي مركّزة بما فيه الكفاية للتعاطي مع إمكانية خسارة ربع المياه العذبة المُتجددة في البلاد.

وتتوفر مصر على مشروعات مياه صرف صحي وتحلية، لكن معظمها مُصمّم لخدمة المناطق المدنية أو الصناعية، خاصة المشاريع الكبرى التي يتخصص بها الجيش المصري، على غرار العاصمة الإدارية الجديدة التي ستُبنى شرق القاهرة. ويقول التقرير إن مثل هذه الصروح والأنصاب في الصحراء ليست فقط غير فعّالة إلى حد كبير في مجال موارد مثل المياه، بل هي تحوّل أيضاً الرأسمال والانتباه بعيداً عن الحاجات الأكثر إلحاحا.

ومع التناقص الحاد المتوقع في حجم تدفق مياه النيل والذي لا يبدو أن مصر مستعدة له، تشير تقارير غير مؤكدة ولكن مُقلقة عن احتمال اللجوء إلى الضغوط الأمنية لتحقيق ما عجزت الدبلوماسية والتنمية عن إنجازه.

وأشار التقرير إلى ما تردد حول وجود قوات مصرية في أريتريا وعن دعم مصري للمتمردين الإثيوبيين. وفي حين أن القاهرة لاتزال تعتمد بكثافة حتى الآن على الدبلوماسية، إلا أنها ربما تستعد أيضاً لتنفيذ خيارات مُسانِدَة أكثر تطرفاً بهدف بذل الضغوط على إثيوبيا وجذب الاهتمام الدولي، في حال فشلت جهودها الدبلوماسية.

المساهمون