كردستان تستغل "إفلاس" بغداد

كردستان تستغل "إفلاس" بغداد

20 فبراير 2015
سوق في قلعة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق(فرانس برس)
+ الخط -
لم ينفع إقليم كردستان كون وزير المالية في الحكومة العراقية الاتحادية، هوشيار زيباري، كردياً، لتنفذ بغداد الاتفاق وتحوّل نسبة 17% من الميزانية الاتحادية إلى إقليم كردستان، والتي تقدر بنحو مليار دولار أميركي شهرياً، يأخذها الإقليم الذي يقطنه خمسة ملايين شخص، فضلاً عن مليون ونصف المليون من اللاجئين والنازحين من سوريا والعراق.
هذا التراجع عن دفع الأموال وضع حكومة الإقليم في موقف بالغ التعقيد؛ لأنها لن تكون قادرة على صرف رواتب نحو نصف مليون عامل. علماً أن صرف الرواتب غير منتظم أصلاً منذ أكثر من عام، منذ أن قررت بغداد، بأمر من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، تحويل قضية رواتب موظفي ومتقاعدي إقليم كردستان إلى ورقة للابتزاز السياسي.
وهو ما دفع إقليم كردستان إلى طرح خيارات متعددة للخروج من أزمته الاقتصادية، ولا سيما عبر البحث عن أطراف، سواء كانوا دولا أو شركات أو مؤسسات تقبل بإقراضه مقابل ضمانات نفطية. وقد فعلت حكومة الإقليم ذلك في 2014 مقابل دفعات من النفط مع عدد من الشركات، غير أن الأزمة الجديدة تدفعها للجوء إلى ذلك من جديد.
وكانت حكومتا بغداد وأربيل، قد توصلتا في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعد مفاوضات مطولة، إلى اتفاق بشأن الخلاف النفطي. ونصّ الاتفاق على أن يسلّم الإقليم ما لا يقلّ عن 250 ألف برميل نفط يومياً إلى بغداد لغرض التصدير، بالإضافة إلى تصدير 300 ألف برميل يومياً من قبل الحكومة الاتحادية من حقول محافظة كركوك، عبر خط أنبوب النفط في كردستان. في المقابل تلتزم بغداد بتخصيص 17% من الموازنة الاتحادية للإقليم.

ويحاول الإقليم إقناع الأمم المتحدة بتمويل نفقاته المتعلقة بإيواء نحو مليون ونصف المليون من النازحين العراقيين واللاجئين السوريين على أراضيه، كما يسعى إلى إقناع صندوق النقد الدولي بمنح الإقليم قرضاً. ورغم التحذيرات التي تصدر من برلمانيين وخبراء للحكومة من تبعات الاقتراض وتأثيرها على اقتصاد الإقليم، إلا أنه ليس هناك من خيار آخر أمام إقليم كردستان لتأمين الأموال، بعدما تنصلت الحكومة العراقية من الالتزام باتفاقهما لتصدير النفط ودفع ميزانية الإقليم، الموقع في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأثارت حركة التغيير الكردية، الممثلة في الحكومة والبرلمان ببغداد، شكوكاً حول نوايا حكومة حيدر العبادي من قضية عدم دفع الأموال لإقليم كردستان، رغم أن الإقليم بات يصدر كميات النفط المتفق عليها لصالح خزانة الدولة.
وقال رئيس كتلة التغيير في مجلس النواب العراقي، هوشيار عبدالله، "نسجل انزعاجنا من عدم التزام العبادي بتطبيق الاتفاق المبرم بين الإقليم والمركز، والذي أثمر عن تمرير موازنة عام 2015". وأضاف: "بموجب الاتفاق وبموجب القانون، يتوجب على الحكومة الاتحادية إطلاق مستحقات ورواتب موظفي كردستان منذ بداية السنة الجديدة، ونحن اليوم نقترب من نهاية الشهر الثاني ولم تطبق الحكومة الاتحادية التزاماتها، في حين أن الإقليم ملتزم بضخ النفط، وفقاً للاتفاق المبرم مع المركز".
وذكر في بيان أصدره، مساء أمس الأول الأربعاء، أن "الحكومة الاتحادية تمتنع عن صرف مستحقات الإقليم، بذريعة عدم وجود سيولة نقدية لديها، ونحن بدورنا نتساءل: لماذا هناك سيولة نقدية لديها عندما تصرف مستحقات بقية المحافظات ومن ضمنها المناطق التي يحتلها داعش، ولكن عندما يتعلق الأمر بمستحقات الإقليم تقول إنها لا تمتلك سيولة نقدية؟".
وتابع عبدالله "هناك خشية وقلق من أن يقوم العبادي بتكرار سيناريو المالكي في تعطيل صرف مستحقات الإقليم، ولكن بشكل أكثر هدوءاً"، داعياً من وصفهم بـ"العقلاء" إلى "حث الحكومة على الالتزام بتطبيق قانون الموازنة، والاتفاق المبرم بين المركز والإقليم، لأن تعطيل رواتب موظفي الإقليم سياسة مرفوضة من قبل جميع أطياف الشعب العراقي؛ لأنها تذكرنا بسياسات المالكي".

اقرأ أيضا: المالكي..من بائع "سِبح" إلى أغنى رجل في العراق
ونقل إقليم كردستان على لسان رئيس وزرائه، نيجيرفان البرزاني، رسالة إزاء تلك التطورات. وقال: "أثبتنا حسن نوايا حكومة الإقليم لبغداد في موضوع تصدير النفط، والالتزام بالكميات المتفق عليها، وهي 550 ألف برميل، أما إزاء موقف بغداد وقولها إن خزائنها خاوية لا أموال فيها، فإن الإقليم سيمنح بغداد فرصة وبعض الوقت للالتزام، قبل أن يتخذ موقفاً"، ولم يُشير إلى إيقاف تصدير النفط، لكنه الخيار الأكثر توقعاً من جانب المراقبين.
ومع المهلة الممنوحة لحكومة العبادي، توجه رئيس وزراء كردستان، يرافقه وزير الثروات الطبيعية، أمس الأول، إلى تركيا، للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء داود أوغلو، لبحث تأمين بعض الإيرادات للإقليم، من بيع كميات مستقلة من النفط الكردي، المُخزّن في ميناء جيهان التركي.
وينظر الأكراد بشيء من الريبة إلى موقف الحكومة المركزية ببغداد، ولا سيما أن قرارها قد يخضع لهيمنة إيرانية، وهو ما يفسر إعلان رئاسة إقليم كردستان وبشكل رسمي في بيان لها وتعليقاً على ادعاء بغداد الإفلاس، "إذا كان العراق يمر بأزمة مالية جدية، يتوجب أن تنسق حكومتا الإقليم وبغداد جهودهما لمعالجة المشاكل".
من جانبه، قال عضو مجلس النواب العراقي عن الكتلة الكردية، شاخوان عبدالله، إن "عدم التزام حكومة العبادي باتفاقها مع إقليم كردستان مثير للشك والريبة".
وأضاف لـ"العربي الجديد": "وافقنا على الميزانية في البرلمان، لأنها تُلزم الحكومة المركزية بدفع ميزانية الإقليم مقابل تصدير النفط عبر الإقليم. على بغداد أن تدفع 1.2 تريليون دينار (نحو مليار دولار) شهرياً للإقليم. لماذا تقول ليست هناك أموال كافية فيما تصدير النفط لم يتوقف. إنها تتعمد عدم إرسال الأموال".
وتابع بالقول: "على الأقل، على بغداد إرسال الميزانية التشغيلية للإقليم لدفع الرواتب، وإذا لم تفعل بعد مهلة الإقليم لها، فعلينا أن نوقف تصدير النفط لصالح الحكومة العراقية".

المساهمون