الغاز تحول إلى ذهب

الغاز تحول إلى ذهب

02 نوفمبر 2014
من خط أنابيب بحر البلطيق لتزويد ألمانيا بالغاز الروسي(Getty)
+ الخط -

تحولت صناعة الغاز إلى ذهب خلال العقد الأخير، حيث شهدت تطورات هائلة، وأصبح الغاز ينافس النفط على مصدر الطاقة الأول في العالم. فدولة قطر مثلاً رغم صغر مساحتها وعدد سكانها، أصبحت لاعباً كبيراً في سوق الطاقة العالمية، بحيث تتصدر دول العالم في صناعة الغاز الطبيعي المسيل.

كما أن الولايات المتحدة، التي كانت حتى وقت قريب تستورد أكثر من 70% من احتياجات النفط والغاز، تحولت الى أكبر منتج في العالم وستصبح قريباً دولة مصدرة للنفط تلعب دوراً حيويّاً في جغرافيا وسياسة الطاقة العالمية.

هذا التحول يحدث في أميركا بفضل ثورة الغاز الصخري، التي استثمرت فيها واشنطن بكثافة في السنوات الخمس الماضية، وربحت تجارتها في الطاقة لأول مرة، حيث حققت اكتفاءً ذاتيّاً من الغاز.

ويلاحظ أن أميركا تمكنت من خفض فاتورة واردات النفط والغاز الطبيعي من 412 مليار دولار سنويّاً في عام 2008 إلى 225 مليار دولار في عام 2013. وتدريجيّاً أصبحت صناعة الغاز تشكل في العقد الأخير حقائق جديدة في الاقتصاد العالمي.

لكن ما هي العوامل الرئيسية التي أحدثت هذا التغيير في عالم الطاقة وجعلت من صناعة الغاز التقليدي وغير التقليدي تحتل هذا الموقع المهم في سوق وتجارة وسياسة الطاقة عالميّاً؟

يرجع خبراء أوروبيون في صناعة الغاز هذه الأهمية التي اكتستها صناعة الغاز إلى ثلاثة تطورات أساسية حدثت خلال الست سنوات الأخيرة، وهي:

أولاً: نجاح ثورة الغاز الصخري في أميركا

ثانياً: خفض استخدام المفاعلات النووية في توليد الطاقة الكهربائية أو وضع خطط إنهاء استخدامها، كما يحدث حاليّاً في ألمانيا. فالعالم أصابه الذعر من استخدام التوليد النووي للطاقة عقب كارثة مفاعل فوكوشيما

الياباني، الذي حول مدناً وقرى كاملة في شمال اليابان الى مناطق مهجورة، كأنما لم يكن فيها سامر، ومنذ كارثة فوكوشيما، رفعت اليابان واردات الغاز المسيل بنسبة 40% لتغطية النقص الذي تركه المفاعل في توليد الكهرباء.

ثالثاً: التوترات السياسية في المحيط الجغرافي الأوروبي الروسي الذي أججه النزاع الروسي–الأوكراني، وما تلاه من تداعيات الحظر الغربي على روسيا وتهديدات أوكرانيا بوقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا. وتغذي روسيا أوروبا بحوالي 40% من احتياجات الغاز الطبيعي.

صعود صناعة الغاز الصخري عالميّاً

ساهم اكتشاف كميات ضخمة من الغاز الصخري في العالم خلال العقد الأخير وتطور التقنيات الجديدة مثل تقنيات الحفر الأفقي والتفتيت الصخري في استخراج الغاز المحبوس بين طبقات الصخور في تغيير خريطة الطاقة العالمية وجغرافيتها السياسية. ولم تكن الشركات في السابق قادرة على استخراج هذا الغاز المحبوس بسبب القصور التقني، رغم أن الجيولوجيين كانوا على علم بوجود الغاز بين طبقات هذه الصخور.

أدت ثورة الغاز الصخري، في أميركا تحديداً، وبشكل سريع الى إحداث تغييرات أساسية في تجارة الطاقة العالمية، حيث أصبح استهلاك الغاز الطبيعي والصخري يشكل نسبة 25% من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي، فيما تراجعت حصة النفط في الاستهلاك العالمي من الطاقة من 50% في عام 1970 إلى 30% خلال العام الجاري 2014.

ولكن رغم هذا النجاح القياسي لصناعة الغاز في الاستهلاك العالمي وتفضيل الغاز كوقود نظيف وصديق للبيئة مقارنة بالنفط، فإن هنالك بعض المشاكل التي تقف أمام تكامل سوق الغاز عالميّاً، مثلما هو الحال بالنسبة للنفط. وذلك لأسباب تتعلق بوسائل نقل وتصدير الغاز الطبيعي والصخري، وهو أمر جعل من سوق الغاز يغلب عليها الطابع الإقليمي، مقارنة بسوق النفط. ويلاحظ أن تصدير الغاز يحتاج الى شبكة مكلفة من خطوط الأنابيب وتكاليف باهظة على صعيد منشآت التسييل والنقل. وعادة ما تتداخل الخلافات السياسية والحروب والنزاعات الإقليمية في مد خطوط الأنابيب لنقل الغاز بين الدول، كما يحتاج تأمين نقل الغاز الى رسوم تأمين عالية.

من هذا المنطلق يمكن القول، إن سوق الغاز ليست متكاملة مثل سوق النفط. وهذا العامل جعل أسعار الغاز متباينة بدرجة كبيرة، مقارنة بأسعار النفط التي تحدد بسعر واحد ومتقارب جداً في جميع أسواق العالم. فأسعار الغاز العالمية تتراوح بين 4 دولارات لمليون وحدة حرارة بريطانية في أميركا، إلى 10 دولارات للوحدة نفسها في أوروبا، وتصل إلى 17 دولاراً في آسيا. وهذا التباين في الأسعار يعود بدرجة كبيرة منه إلى كلفة النقل والتسييل.

التأثير على التجارة

تحولت أميركا من دولة مستوردة للغاز في العقد الماضي إلى دولة مكتفية من الغاز، وعلى وشك تصدير الغاز الصخري الى أنحاء العالم في السنوات المقبلة.

وكانت أميركا قد صدقت لبناء سبع منشآت لتسييل الغاز وتصديره خلال العام الجاري. وحسب خبراء للغاز في " ناتشرال غاز يوروب"، فإن ثورة الغاز الصخري الأميركي أدت إلى تحولات تجارية مهمة في إنتاج وتجارة الغاز وكذلك في تنافسية البضائع الأميركية المصنعة وميزان المدفوعات الأميركية.

ولاحظت في هذا الصدد أن فاتورة استيراد الطاقة انخفضت بقيمة 187 مليار دولار في الخمس سنوات الماضية بسبب ثورة النفط والغاز الصخري الأميركي. وهذا الانخفاض في فاتورة الطاقة أضاف بدرجة كبيرة تحسناً إلى ميزان المدفوعات الأميركي. كما ساهمت صناعة الغاز الصخري في خفض أسعار الغاز من 8 دولارات الى أقل من 4 دولارات للوحدة الحرارية.

وهذا السعر الرخيص للغاز منح ميزة تنافسية كبيرة بالنسبة للبضائع المصنعة الأميركية المصدرة مقارنة بالصناعات الشبيهة. وتشير التقديرات الأميركية الى أن سعر الغاز الرخيص رفع تنافسية البضائع الأميركية بنسبة 6.00% منذ بداية صناعة الغاز الصخري في أميركا.

عوامل أخرى

يقول محللون إن تجارة الغاز المسيل من المتوقع أن تتوسع خلال السنوات المقبلة، خصوصاً إذا ارتفعت حدة التوتر في النزاع الروسي الأوكراني، حيث تتجه أوروبا في عجلة متزايدة إلى تنويع مصادر الطاقة. كما أن ألمانيا ستتجه إلى استيراد المزيد من الغاز المسيل مع استمرارها في سياسة إغلاق المفاعلات النووية المستخدمة في توليد الكهرباء.
ويضاف الى هذه العوامل اتفاقية التسخين الحراري التي تطالب الدول الصناعية بخفض استهلاك النفط. وهي اتفاقية ستعنى باستخدام المزيد من الغاز كمصدر نظيف للطاقة والتقليل التدريجي من استخدام النفط في التوليد.

المساهمون