روسيا تفتح الباب لعودة المشاريع المشتركة مع تركيا

روسيا تفتح الباب لعودة المشاريع المشتركة مع تركيا

09 يوليو 2016
سياح روس في مطار أنطاليا التركي (Getty)
+ الخط -


في أعقاب عودة العلاقات التركية الروسية يبقى التساؤل عن مستقبل المشاريع الروسية التركية الكبرى، مثل مشروع خط السيل للغاز، الذي يعول عليه البلدان في إنعاش التجارة وربط علاقاتهما بدول الاتحاد الأوروبي.
ويلاحظ أن روسيا تركت الباب مفتوحاً لتنفيذ مشروع إمداد الغاز الطبيعي الضخم الذي تعتمد عليه شركة "غاز بروم" الروسية في بسط هيمنتها على سوق الغاز الأوروبي، في الوقت الذي تأمل فيه أنقرة أن يصبح أحد ركائز استراتيجية تجارة الغاز، التي تعمل أنقرة عبرها لبناء مركز لتجميع الغاز من دول المنطقة إضافة إلى روسيا وتصديره إلى أوروبا.

وكانت شركة "غاز بروم" الروسية، أول المبادرين بالإعلان عن انفتاحها على الحوار حول استئناف العمل على تنفيذ مشروع "السيل التركي" لنقل الغاز إلى أوروبا.
ويأمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أن بلاده وروسيا ستتخلصان من الوضع الحالي بأسرع وقت ممكن، وستقومان بتطبيع العلاقات في ما بينهما بالسرعة القصوى.
وقال الرئيس التركي خلال استضافته مئات المواطنين والتجار الأتراك، إن بلاده اتخذت العديد من الخطوات لإزالة السلبيات الناجمة في علاقاتها مع روسيا، مضيفاً أرجو أن يكون الاتفاق الذي توصلنا إليه مع روسيا، وسيلة خير لصالح الشعبين التركي والروسي.

من جهته، أوضح نائب رئيس الوزراء التركي، المتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان كورتولموش، بأن العلاقات الروسية التركية شهدت تحسناً بعد الخطوات التي اتخذت من قبل الطرفين لتليينها.
ويرى المحلل المختص بالشأن التركي عبد القادر عبد اللي، أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، لأن تركيا تحتل المرتبة السابعة بين الدول المصدّرة لروسيا، بحجم تبادل يفوق الثلاثين مليار دولار، قبل العقوبات التي فرضتها موسكو.


ويقول عبد اللي "من الخطأ اختصار آثار العقوبات بالسياحة، على أهمية زيارة تركيا أكثر من 3.5 ملايين سائح أنفقوا أكثر من 6 مليارات دولار عام 2014، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك مشروعات وعقود بقيمة 4 مليارات دولار وقعتها شركات تركية لتجهيز بنى ومنشآت رياضية قبل مونديال عام 2018 الذي ستستضيفه روسيا، وربما أكثر من ذلك الأضرار التي لحقت بتصدير الإنتاج الزراعي والاستثمار العقاري"، لافتاً إلى أن عدد المنازل في تركيا التي بيعت للروس خلال عام 2015 فقط، بلغت 18 ألف منزل.

وأشار عبد اللي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن معظم العلاقات الاقتصادية لم تجمد بالكامل وفق ما ينقل الإعلام والساسة، إذ استثنت روسيا معظم الخضر والفواكه من العقوبات، ولم تلغ كاملاً سوى 203 عقداً تجارياً بقيمة 5.5 ملايين ليرة تركية، كما تراجعت لاحقاً عن شرط عدم تشغيل العمال الأتراك لبعض الشركات التركية في روسيا، منها "خزندار أوغلو". كما سمحت موسكو لبعض منظمي المجموعات السياحية إلى تركيا بمعاودة عملهم بناءً على اعتراض اتحاد السياحة الفيدرالي الروسي التابع لوزارة الثقافة.

وتوقع عبد اللي عودة العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل إلى أكثر مما كان عليه، لأن ذلك حاجة للشعبين، وإن تطلب ذلك بعض الوقت، وخاصة أن الروتين الروسي، على حد وصفه، قد يحرم السوق التركية من بعض السياح الروس، كما سيحرم السوق الروسية من بعض المنتجات الزراعية الموسمية .

وعلى أهمية الصادرات التركية التي تأذت جراء العقوبات الروسية، من زراعة ومنتجات حيوانية بلغت عام 2015 نحو 1.6 مليار دولار وسيارات بقيمة 860 مليون دولار وصناعات نسيجية بنحو 910 ملايين دولار، وسواها من سلع بلاستيكية ومنتجات كيميائية، لتصل قيمة الصادرات لنحو 6 مليارات دولار.

إلا أن مراقبين أتراك يرون أن العقوبات الروسية وطالما لم تأت على المشروعات الكبرى الموقعة بين البلدين والبالغة قيمتها نحو 44 مليار دولار، ولم تطل الغاز الروسي المصدر إلى تركيا والبالغ 50 مليار متر مكعب سنوياً، أي 55% من مستوردات تركيا، فهي لم تكن ذات أثر كبير على الاقتصاد التركي، بل إن روسيا بالمقابل تأذت أكثر مما خسره الاقتصاد التركي، مشيرين إلى أن لدى تركيا، ورغم الظروف السياسية التي أدت للقطيعة مع بعض دول الجوار، إلا أن المنافذ والخيارات كانت مفتوحة أمامها أكثر من روسيا، المُعاقبة أوروبياً وأميركياً وتعاني من سوء علاقات مع بعض جوارها.

ويقول المحلل التركي زاهد غول، إن آثار العقوبات على الاقتصاد الروسي أكثر منها على التركي، لأن الصادرات الغذائية المقدرة بمليار ونصف المليار دولار، تم تحويل بعضها إلى السوق الداخلية وتصدير بعضها لدول الشرق الأوسط والخليج العربي، لكن العقوبات الروسية جنت على سوقها الداخلية فارتفعت الأسعار وتكبدت تكاليف إضافية نتيجة البحث عن بدائل الإنتاج التركي.
وأشار غول إلى أن العقود التجارية الموقعة مع شركات تركية قبل إسقاط الطائرة، لم تتغيّر، بل حتى شرط العمالة، تراجعت موسكو عنه وسمحت لبعض الشركات بإصدار تصاريح عمل للأتراك "أي اعتماد روسيا على تركيا ليس حباً، بل هو حاجة، وعودة العلاقات واختراق العقوبات سابقاً، جاء تحت ضغط رجال الأعمال الروس".

ويضيف المحلل التركي غول، خلال حديثه لـ"العربي الجديد": إن لم نتحدث عن الاستثمارات والعقارات وحتى المتاحف التي يملكها الروس بتركيا، فإن نحو 90% من منتجعات مدينة أنطاليا التركية، هي عبارة عن شراكات بين الأتراك والروس، ما يعني أن نحو 10 آلاف فرصة عمل خسرها الروس خلال العقوبات، مشيراً إلى قِدم علاقة الروس التاريخية مع بعض مدن ومناطق تركيا، خاتماً حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن لقاء الوزراء سيوضح مدى سرعة عودة العلاقات مع روسيا التي نتمنى أن تعود وتسير بالاتجاه الصحيح.

ويذكر أن تركيا من أهم الشركاء التجاريين لروسيا، لا سيما بعد انخفاض أسعار البترول، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو من قِبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2010، إلى قرابة 26.2 مليار دولار، فيما طرأ ارتفاع على هذا الرقم بنسبة 17.3%، ليصل إلى 31.2 مليار دولار مع نهاية عام 2014. وتراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين قليلاً بسبب العقوبات الروسية على تركيا في العام الماضي.
وبالنظر إلى الصادرات التركية خلال عام 2014، والتي بلغت قيمتها الإجمالية 157.6 مليار دولار، كانت حصة روسيا نحو 5.9 مليارات دولار، أي بنسبة 3.8% من إجمالي الصادرات التركية، وإن تراجعت إلى نحو 3% من الصادرات التركية عام 2015 والبالغة نحو 144 مليار دولار.

في حين وصل إجمالي قيمة الصادرات الروسية خلال عام 2014 إلى 496.6 مليار دولار، وقيمة وارداتها إلى 380 مليار دولار، وبلغت نسبة المواد المصدرة إلى تركيا 5.1% من إجمالي الصادرات. وعانى الميزان التجاري التركي عجزاً خلال العام الفائت، ففي حين بلغت قيمة التجارة الخارجية نحو 351 مليار دولار، لم تزد الصادرات، بحسب تصريح سابق لوزير الاقتصاد التركي، مصطفي إليطاش، عن 143.9 مليار دولار، مسجلة تراجعاً بلغت نسبته 8.6% مقارنة بعام 2014.


المساهمون