التهريب في تونس..تجار السجائر ينهون سلطة الدولة على التبغ

التهريب في تونس..تجار السجائر ينهون سلطة الدولة على التبغ

08 اغسطس 2016
السجائر المقلّدة تحتوي على 4 آلاف مادة سامة(فرانس برس)
+ الخط -
لا أثر لبعض أصناف السجائر التونسية في نقاط البيع المرخص لها، والنتيجة ارتفاع أسعارها في السوق الموازية وهجرة جماعية نحو السجائر المهربة. تلك هي استراتيجية أباطرة السجائر المهربة في تونس التي تعمد إلى تجفيف السوق من السجائر المحلية؛ لدفع المدخنين نحو سجائرهم التي باتت أكثر توافرا في الأسواق من أي وقت مضى، الأمر الذي بات ينبئ بإنهاء سيطرة حكومية على قطاع السجائر دامت لأكثر من قرن من الزمن.
وبالرغم من أن السجائر تعد من مصادر الدخل الجبائي لخزينة الدولة، إلا أن الحكومة تقف عاجزة عن حماية المنتجات المحلية، بعد أن أحكم المهربون السيطرة على مسالك التوزيع وباتوا يتحكمون في تزويد السوق حسب مصالحهم.
وتخضع حصص توزيع السجائر المحلية وبعض الأصناف الموردة قانونيا إلى تنظيم مُحكم، وفق معايير تضعها وزارة المالية، حيث تتولى القباضات (هيئات تابعة لوزارة المالية) توزيع حصص التبغ على أصحاب المحلات الحاصلة على تراخيص، على أن يتولى المرخص لهم بتوزيع الكميات على الأكشاك ومحلات التجزئة مقابل هامش ربح محدد.
ويعمد أباطرة السجائر المهربة إلى ربط الصلة مع أصحاب رخص الدخان، أو ما يعرف في تونس بـ"القمارقية"، حيث يشترون منهم كل الكميات مقابل هامش ربح أكبر مما توفره تجارة التجزئة، ليحكموا سيطرتهم على السوق.
ويقوم تجار السجائر المهربة في مرحلة ثانية، بتزويد الأكشاك ونقاط البيع بكميات ضعيفة، معتمدين في ذلك على سياسة ضخ السلع "قطرة قطرة" مع زيادة الأسعار، وهو ما يدفع المدخنين إلى الجنوح نحو السجائر المهربة بعد أن تطول رحلتهم في البحث عن سجائر الـ "20 مارس" وغيرها من الأصناف المحلية التي يقبل عليها التونسيون عموما.
وقال بشير غسان، وهو صاحب محل لبيع التبغ، لـ "العربي الجديد"، إن ما يقل عن 5 أنواع من السجائر تشهد عجزا في توفيرها منذ أكثر من شهر، مشيرا إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة 30% تقريبا.
وأضاف غسان، أن "حيتان الدخان" -كما وصفهم- أحكموا السيطرة على السوق بتغلغلهم في مسالك التوزيع، مشيرا إلى أن الأمر بات مقلقا بالنسبة للمحلات التي لم تشارك في عمليات المضاربة.

وشدد المتحدث على أن ارتفاع أسعار السجائر التونسية بفعل المضاربة، هو السبب المباشر للجوء المدخنين إلى السجائر المهرية، رغم الإجماع على أضرارها الصحية وعدم خضوعها للمراقبة الصحية، "بل إن العديد من المدخنين يجهلون مصدرها الحقيقي".
وتجمع التقارير والبحوث التي أصدرتها وزارة الصحة على أن السجائر المهربة أو ما يعرف بـ "الدزيري"، من الأسباب المباشرة للإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي، نتيجة احتوائها على نحو 4 آلاف مادة سامة، وهو ما يكلف الدولة سنويا أكثر من مائة مليون دينار كتكاليف علاج وإقامة بالمستشفيات، أي تقريبا ما تجنيه الدولة من أرباح من بيع التبغ.
وأمام تفاقم نفوذ مهربي السجائر، تسعى الدولة إلى المحافظة على ما بقي من نفوذها في السوق عبر زيادة الإنتاج وتحديث مصانع التبغ.
وقال المسؤول بوكالة التبغ والوقيد الحكومية أحمد النجومي لـ "العربي الجديد"، إن مصانع التبغ رفعت في إنتاجها في السنة الماضية بنسبة 25%، فضلا عن تحسين وارداتها من المادة الأولية بهدف المحافظة على جودة النوعية، مشيرا إلى أن الوكالة لا تتحمل أية مسؤولية في انقطاع التزويد لمحلات التجزئة.
وشدد النجومي على أن ظاهرة السجائر المهربة أثرت كثيرا على عائدات الدولة، ما يستدعي وقفة صارمة من الجمارك لكبح جماح المهربين.
ويستخدم المهربون، وفق تصريحات لرئيس وحدة الحراسة والتفتيشات الجمركية سمير الحناشي، خطين أساسيين في تهريب السجائر، يستخدم الخط الأول في تهريب السجائر التونسية المقلدة التي تصنع في الصين واليونان، وتمر عموما عبر مصر فليبيا ثم الحدود الجنوبية الشرقية للبلاد التونسية.
أما الخط الثاني للتهريب فيرتبط بالسجائر الأجنبية التي تأتي أساسا من الجارة الجزائر وتدخل عبر المناطق الحدودية للبلاد أيضا، أي القصرين وقفصة.
ويعمد المهربون، وفق تصريحات الحناشي لـ "العربي الجديد"، إلى استخدام مخابئ سرية مهيأة داخل السيارات لتمرير السلع، مما تجعل من مهمة التفتيش أكثر تعقيدا.
وتؤكد مصالح جمركية أن حوالى 25 مليون علبة سجائر مهربة تدخل الأسواق التونسية شهرياً، أي ما يعادل 300 مليون علبة مهربة سنوياً، فيما ترتفع خسائر البلاد من إيرادات قطاع التبغ الذي يوفر لميزانية الدولة نحو 1.3 مليار دينار (685 مليون دولار) سنويا، إلى أكثر من 40%.

دلالات

المساهمون