موظفو غزة.. وجوهٌ تعج بملامح متناقضة

موظفو غزة.. وجوهٌ تعج بملامح متناقضة

23 ابريل 2015
موظفي غزة أثناء استلامهم الراتب (العربي الجديد/عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -

في أواخر كل شهر ميلادي، يشترك الموظفان الفلسطينيان أحمد الحسني (37 عاماً) وعبد الله سمور (40 عاماً)، على غير العادة، في موعد خروجهما من منزلهما في شمال مدينة غزة عند الثامنة صباحاً، لكنهما يختلفان في الغاية التي خرجا من أجلها وتداعياتها على عائلتيهما.

ويسارع الحسني، الموظف في جهاز الأمن الوطني التابع للسلطة الفلسطينية، الخطى نحو أحد المصارف من أجل تسلّم راتبه الشهري كاملاً بالإضافة إلى مستحقاته المالية، على عكس الموظف في حكومة غزة السابقة سمور، الذي يخرج يومياً إلى مكان عمله، بخطوات ثقيلة وببال مشغول بكيفية تدبير شؤون بيته.

وأعلنت وزارة المالية في الضفة الغربية صرف المتأخرات من رواتب الموظفين الحكوميين

التابعين لها، الذين يصنفون كموظفين رسميين، بعد تلقّي عائدات الضرائب الفلسطينية التي كانت إسرائيل تحتجزها، في ظل عدم إقرار حكومة التوافق الوطني بشرعية الموظفين الذين أشرفت عليهم حركة حماس بعد عام 2007.

ويقول سمور لـ"العربي الجديد": "تصر حكومة التوافق على إنكار شرعيتي الوظيفية وعدم صرف راتبي الشهري، لأنني لم أجلس في البيت وفق تعليمات السلطة بعد أحداث الانقسام الداخلي بين حركتي حماس وفتح صيف عام2007، وعلى إثر ذلك قطع راتبي الشهري وأصبحت أحمل صفة موظف غير شرعي".

ولم تصرف حكومة التوافق منذ تشكيلها في الثاني من يونيو/حزيران الماضي أي راتب لموظفي حكومة غزة السابقة، ولكنها صرفت دفعة مالية واحدة بتبرع من دولة قطر وعبر وزارة الشؤون الاجتماعية بمقدار 1200 دولار، لـ 24 ألف موظف مدني من أصل 45 ألف موظف عملوا مع حكومة غزة السابقة.

ويتنقل سمور، الذي يعمل ممرضاً في إحدى العيادات الطبية الحكومية، بين أسرّة مرضاه لمتابعة حالتهم الصحية وإعطائهم العلاج المناسب، مُحتفظاً بابتسامة رضا علّها تُخفف بعضاً من آلام نزلاء العيادة.

ويسيطر الحزن على سمور فور دخوله البيت، ويضيف "أشعر بالخجل عندما أعود إلى أولادي بيدين فارغتين فأهرب من طلباتهم الحياتية العادية أو المدرسية بحجج مختلفة تكاد تنفد مع استمرار أزمتنا منذ نحو تسعة أشهر"، متمنيا إيجاد حلول فعلية لقضية الموظفين بدلا من الوعود المبهمة التي لا نتائج حقيقية لها.

هذا الوضع دفع بالمئات من موظفي حكومة غزة، إلى الاستدانة بمبالغ كبيرة أو العمل في مجالات أخرى كالنقل والمواصلات بجانب افتتاح مشاريع تجارية صغيرة، لا تسمن ولا تغني من جوع، في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية في القطاع، كحال الموظف في وزارة التربية والتعليم منذ العام 2009 هاني عبدربه.

وتوجه عبدربه للعمل بإحدى سيارات الأجرة على أمل الخروج من وحل الديون المالية التي تراكمت عليه بنحو ثلاثة آلاف دولار، رغم تقليصه للمصروفات اليومية لأولاده الثلاثة من أجل توفير بعض الأموال لشراء المستلزمات الضرورية لعائلته.

ويقول عبد ربه لـ"العربي الجديد": "لن أترك وظيفتي أو أجلس في البيت، رغم شعوري بالحسرة الشديدة، لأنّ حكومة التوافق التي كنا نأمل منها أن تساهم في تدعيم الوحدة الوطنية بين أبناء القطاع، زادت من وتيرة الاحتقان عندما التزمت بصرف رواتب من جلس في بيته لنحو سبع سنوات وتنكرت بشكل مجحف لحقوقنا".

وتساءل هاني بلغة الاستغراب والاستنكار "بأي حق وقانون يتقاضى الذي يجلس في بيته راتبه

كاملا في نهاية الشهر مع كافة مستحقاته المتأخرة، بينما الموظف الذي يجدّ ويكافح في وظيفته طوال اليوم لا يجد نهاية الشهر إلا طلبات أولاده المتعددة والتي لا جاوب لها إلا حسرة تبقى أسيرة قلب الموظف؟".

بدوره، قال المتحدث باسم نقابة الموظفين بغزة، خليل الزيان: إن "سياسة التفرقة التي تمارسها حكومة التوافق مع الموظفين الحكوميين، انعكست بالسلب على الوضع الاجتماعي، بعدما التزمت الحكومة بصرف راتب الموظف الذي يجلس في بيته دون أي عمل، في حين أن الموظف الملتزم بالعمل ويخدم شعبه لا راتب له".

وأضاف الزيان لـ "العربي الجديد" أن موظفي حكومة غزة السابقة حصلوا على شرعيتهم الأولى من أبناء شعبهم، عندما التزموا بتقديم الخدمات للجمهور في مختلف القطاعات الحكومية دون محاباة أحد، ثم واصلوا العمل رغم قلة الإمكانات المادية وقصف مقراتهم في الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة.

وتعكف وزارة المالية في غزة، منذ نحو ستة أشهر، على صرف بعض السلف المالية من رصيد المستحقات المتأخرة لموظفي حكومة غزة السابقة، بحد أدنى ألف شيكل (250 دولاراً)، وأقصى 3500 شيكل (900 دولار)، والذين تلقوا آخر راتب كامل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2013.

المساهمون