معركة الغاز... مشروع روسي يشعل الخلافات في أوروبا

معركة الغاز... مشروع روسي يشعل الخلافات في أوروبا

17 يوليو 2017
ارتفاع حدة الأزمة مع الخلافات الروسية الأوكرانية (فرانس برس)
+ الخط -
يثير مشروع "السيل الشمالي 2"، عاصفة من المواقف والمشكلات والخلافات، وغبار المعركة يمتد فوق كل من أميركا وروسيا وأوروبا. فقد وقعت شركة غازبروم الروسية، في 4 سبتمبر/أيلول 2015، مع شركائها في مشروع "السيل الشمالي"، اتفاقية لمضاعفة صادرات الغاز الروسي لألمانيا، من خلال إنشاء خطوط أنابيب جديدة، وأطلق على المشروع اسم "السيل الشمالي 2".
يتجاوز "السيل الشمالي" دول وسط أوروبا وأوكرانيا، ويمر عبر بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا مباشرة، حيث يعتبر أطول خط أنابيب تحت بحري في العالم، ويقوم منذ 8 أكتوبر/تشرين أول 2012 بضخ 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً إلى ألمانيا، يتم استهلاك أكثر من 65% منها في ألمانيا، بينما تقوم الأخيرة بضخ الكميات المتبقية إلى دول أوروبية أخرى.
أما "السيل الشمالي 2" فسيقوم، وفق تقرير وكالة "الأناضول"، بمضاعفة كمية الغاز الروسي المصدرة إلى ألمانيا، لتصبح 110 مليارات متر مكعب سنوياً، حال الانتهاء من أعمال الإنشاء والتشغيل المخطط لها أن تكون أواخر عام 2019، الأمر الذي سيحول ألمانيا إلى محطة رئيسية لتوزيع الغاز في القارة الأوروبية، بينما ستقوم موسكو بإيقاف الضخ عبر أوكرانيا، إلا أن هذا المشروع يتعرض لهزات متواصلة، ومشكلات عميقة، كان آخرها إعلان الولايات المتحدة مشروع عقوبات على روسيا شملت الشركات الأوروبية المشاركة في هذا المشروع، في محاولة لكبح التمدد الروسي في أوروبا.
فقد ذكر تقرير تحليلي نشرته صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية تحت عنوان "أوروبا منقسمة أيضاً في مباراة الغاز الطبيعي"، أنه على موجة العلاقات المتأرجحة بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تؤدي روسيا لعبتها في محاولة لزيادة صادراتها النفطية، بينما يبذل الاتحاد الأوروبي جهوده الرامية للحد من الاعتماد على موسكو، وهكذا تتمدد شبكة خطوط الغاز. في هذا السياق، تسعى ألمانيا لإملاء قواعد اللعبة، بينما تواجه إيطاليا شبح الانكسار، أمّا دول أوروبا الشرقية فإنها ماضية في ترسيخ أقدامها وتحاول أن تقلب الطاولة.
فهل نحن بصدد ذات السيناريو الأوروبي الصدامي، الذي طاول سياسة التقشف، وأزمة المهاجرين، والخلافات الحادة حول خطط إنقاذ المصارف المتعثرة، لينتقل اليوم إلى مشاريع نفطية؟ تعتبر الصحيفة أن الوضع مختلف الآن، فالمشكلات السابقة ما هي إلا مسائل بسيطة. وتضيف: "نحن هنا أيضاً إزاء بوتين الذي يحيك المؤامرات، ويداهن، ويتعهد أمام الكيانات الاقتصادية الأوروبية العملاقة التي تراهن بمليارات اليوروهات على المجهول. ومن ثم فهناك الولايات المتحدة التي دلفت لتوها إلى المشهد والتي تحاول أن تضرب كل العصافير بحجر واحد".

معركة الغاز وخطوط الأنابيب
وتلفت "لاريبوبليكا" إلى أن أوروبا كانت قد وصلت إلى أوج استهلاكها للميثان في عام 2010، وفي العامين الأخيرين حدثت انتعاشة صغيرة، إلا أن احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز في عام 2015 كانت أقل بنسبة 15% مقارنة بالخمس سنوات السابقة. وتقول الدكتورة أنوك هونوري، كبيرة الباحثين في معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة، إن "المستقبل يعتمد على ما إذا كانت نظرتنا ستتجاوز أنوفنا أم لا، وحتى سنة 2025 سوف يصمد الطلب على الغاز أيضاً بسبب تحول المزيد من محطات الكهرباء من الفحم إلى الميثان. وبعد ذلك سيتوقف الأمر على كفاءة المحطات، وعلى القيود على الوقود الأحفوري للتدفئة العالمية وعلى صعود مصادر الطاقة المتجددة".
وتكمن المشكلة هنا، وفق هونوري، في أن المصادر التقليدية للتموين بالميثان تواجه خطر الاختفاء قبل ذلك، حيث تلاحظ أن الإنتاج الداخلي الأوروبي (في أسكوتلندا، والنرويج وهولندا) يتعرض حالياً للنضوب، بعد أن كان يغطي أكثر من نصف احتياجات القارة العجوز في عام 2014، وسوف تصل هذه النسبة إلى الثلث خلال 20 عاماً".
وهنا، ثمة سؤال يطرح نفسه: "من سيسد هذه الفجوة، صغيرة كانت أم كبيرة؟" تجيب هونوري أنه لا يبدو أن ثمة جدوى تذكر من رفع طاقة خط أنابيب غاز "السيل الشمالي" إلى 110 مليارات متر مكعب سنوياً نظراً لأن الفرع الموجود بالفعل غير مستغل الاستغلال الكافي. إلا أن الاقتصاد مع بوتين أمر ثانوي بالنسبة للسياسة، وألمانيا ميركل سوف تصبح، من خلال استغلال كافة إمكانيات خط الغاز، المركز المحوري للميثان الأوروبي وستتحول إلى مُصدَر خالص للغاز الطبيعي، لذا فإن ألمانيا، من هذا المنظور، هي حارس المشروع.
وأثار إغلاق الممر الأوكراني للغاز الروسي انتفاضة من قبل دول أوروبا الشرقية التي تعتمد كلياً على الأخير، حيث بات يتعين عليها الآن الحصول عليه من ألمانيا، إلا أنه لا توجد خطوط أنابيب غاز من غرب إلى شرق أوروبا، وعليه فسوف ينبغي أن تتفاوض هذه الدول مباشرة مع شركة "غازبروم" وبوتين، وهو الأمر الذي لا ترغب فيه على الإطلاق. بناء على ذلك، جمدت دول أوروبا الشرقية، بطرق قانونية، مشروع ازدواج "السيل الشمالي" وأجبرت حلفاءها الغربيين على الخروج من شراكتها المباشرة مع الجانب الروسي. وهكذا اضطرت الشركات الخمس الأوروبية ( شل الهولندية، وأنجي الفرنسية، ويونيبير و وينترشول الألمانيتان، وأو أم في النمساوية) تحويل حصصها في السيل الشمالي 2، إلى قرض قيمته 4.8 مليارات يورو ما يغطي نصف تكاليف المشروع. وحتى الآن، تصدت برلين ومعها غازبروم الروسية لوضع الإطار القانوني لـ"السيل الشمالي 2"، ولكن إذا نجح الاتحاد الأوروبي في إرغام الشركة الروسية على فتح القنوات مع المنافسين، فمن الممكن أن يقرر بوتين حينئذ أن المشروع، الذي كان من المفترض أن ينطلق بدءا من 2019، لم يعد مقنعاً.

العلاقة بين ميركل وبوتين
وتنطلق دول أوروبا الشرقية، في معارضتها للثنائي ميركل- بوتين، من اقتناعها بأن أوروبا يجب أن تخفض، ولا تزيد، من اعتمادها على الغاز الروسي، وهو المبدأ الذي يفسر خط أنابيب الغاز الذي يجري بناؤه حالياً "Tap" والذي من شأنه جلب الميثان إلى إيطاليا، من أذربيجان وعبر تركيا واليونان وألبانيا، ومنها إلى جميع أنحاء أوروبا.
وتبلغ تكلفة بناء الخط الجديد 45 مليار يورو بطاقة 16 مليار متر مكعب سنوياً، مقابل تكلفة خط "السيل الشمالي 2" البالغة 10 مليارات يورو فقط بطاقة 55 مليار متر مكعب سنوياً. ونقلت "لاريبوبليكا"عن تقرير لوزارة الخارجية الألمانية قولها إنه إذا قررت غازبروم الاحتفاظ بخفض الأسعار، فسوف يكون ثمة متسع للجميع للاستفادة. وبحلول عام 2035 سيزيد الاعتماد على الغاز الروسي بنسبة 32% فقط ما يوازي 156 مليار متر مكعب سنوياً، في حين أن الاعتماد على خط "Tap" سيزيد بنسبة 26%، ما يمثل عشرة أمثال ما هو مخطط اليوم. وإذا لم يُنجز مشروع ازدواج "التيار الشمالي"، فإن صادرات الغاز الروسي ستتراجع إلى 96 مليار متر مكعب سنوياً، في حين سترتفع إمدادات الممر الإيطالي إلى 41 مليار متر مكعب سنوياً، أمّا إذا حدث العكس وتوقف خط "Tap" فسوف يرتفع حجم الإمدادات الروسية ليصل فقط إلى 107 مليارات متر مكعب سنوياً، أي أقل من الفرضية الأولى حال تشغيل كلا الخطين".
واستطردت الصحيفة بقولها، بحسب تقرير الخارجية الألمانية، إن ثمة عنصراً ثالثاً مزعجاً يفسر هذا الارتباك الواضح، ألا وهو الغاز الطبيعي المسال الذي يمكن نقله بحراً، الذي كان الخبراء يرون، منذ عامين أو ثلاثة أعوام، أنه من المفترض أن يكون الورقة التي بمقدورها بعثرة جميع السيناريوهات، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، فأوروبا مازالت تستورد حتى الآن 50 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الروسي، على الرغم من قدرتها على التفاوض على أربعة أضعاف هذه الكمية. وإذا حافظت غازبروم على هذا المستوى المنخفض من الأسعار، فسوف يزيد معدل استيراد الغاز الطبيعي المسال.

دلالات

المساهمون