مأزق العقارات السعودية...قيمة الصفقات تتقلّص إلى أكثر من النصف

مأزق العقارات السعودية...قيمة الصفقات تتقلّص إلى أكثر من النصف

10 فبراير 2017
ركود عقارات السعودية (فرانس برس)
+ الخط -
واصلت العقارات السعودية انخفاضها، بعد أن أظهرت مؤشرات وزارة العدل السعودية الشهرية، تراجع قيمة الصفقات العقارية خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى 17.2 مليار ريال (الدولار = 3.75 ريال) بنسبة انخفاض 53% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.
كما أظهرت مؤشرات وزارة العدل السعودية الشهرية، عدم تجاوز قيمة الصفقات العقارية في الأشهر الأربعة الماضية 59.5 مليار ريال، وتوجه معظمها للعقارات التجارية، لتصل نسبة الهبوط لأكثر من 43%، خلال الأربعة شهور مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وبذلك تسير العقارات في ركب الهبوط ذاته الذي بدأته قبل نحو عامين، مدفوعة بسلسلة من القرارات الحكومية أهمها فرض رسوم على الأراضي البيضاء، وتسريع عملية تطوير الأراضي، غير أن العامل الأهم وراء التراجع الكبير هو حملة مقاطعة العقارات بسبب ارتفاع أسعار الأراضي التي بدأها عقاريون قبل نحو عام، وانعكست بشكل سلبي على نشاط السوق.
وبدأت الحملة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي والفلل السكنية، والتي وصلت لأكثر من 12 ألف ريال للمتر المربع في الأحياء الرئيسية في العاصمة الرياض، فيما كان متوسط الأسعار ما بين 1500 ريال و3000 ريال للمتر المربع الواحد، هو ما رفع قيمة أرض لا تزيد مساحتها عن 400 متر لأكثر من 1.2 مليون ريال (نحو 320 ألف دولار) عقب القرارات الحكومية وهو سعر يؤكد خبراء في الاقتصاد أنه يفوق قدرة 90% من السعوديين.
وحسب التقارير الرسمية الحديثة، كانت المنطقة الشرقية الأكثر هبوطا الفترة الأخيرة في ظل حالة الركود التي أصابت السوق، بنحو مليار ريال، وشهد متوسط سعر قطعة الأرض في القطاع السكني انخفاضا بلغت قيمته 78 ألف ريال تقريبا منخفضا بنسبة 10% عن الشهر الذي سبقه، تلتها الرياض ومكة المكرمة.
في الاتجاه الهابط ذاته تؤكد تقارير هيئة الإحصاء، الرسمية أن الرقم القياسي لأسعار العقارات تراجع بشكل كبير في عام 2016 عما سجله في عامي 2014 و2015 وبلغت نسبة الهبوط أكثر من 8.5%
ويتوقع الخبير العقاري ورئيس لجنة العقار والتطوير العمراني بغرفة جدة، عبدالله الأحمري، في حديثه لـ"العربي الجدي" أن يستمر مسلسل التراجع في سوق العقار للعامين المقبلين، بنسبة تزيد عن النصف، مما يسهم في تخفيض قيمة إيجارات الشقق السكنية، وأشار إلى انخفاض إيجارات الشقق السكنية حاليًا بنسبة تتراوح ما بين 15 و25%.
ويقول الاحمري:" ليست فقط الأراضي التي سجلت تراجعا، بل حتى أسعار الشقق السكنية سجلت تراجعًا كبيرا، بسبب انخفاض دخل المواطنين، الأمر يتسبب في خسائر للملاك".
وفي الاتجاه ذاته أكد الخبير العقاري عثمان المغلوث لـ "العربي الجديد"، على أن ضعف السيولة، وارتفاع الأسعار المبالغ فيه، تسبب في سرعة الانحدار نحو القاع.

ويقول المغلوث: "انخفاض أسعار الوحدات السكنية سواء بالبيع أو الإيجار يصب في مصلحة المواطن، نظرا لتوافر المعروض أمامه، في ظل انخفاض الدخل الذي يعاني منه الكثيرون حاليا". ويضيف: "ما حدث من ارتفاع في السابق كان غير مبرر، بل كان نتيجة لممارسات عقارية أشبه بالغش، كان هدفها رفع قيمة العقارات بشكل مبالغ فيه بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، ولهذا نشاهد أن ملاك تلك الأرضي باتوا يحاولون التخلص منها، مما تسبب في نزول أسعارها بأكثر من 50%، وسيستمر الهبوط حتى يصل لأسعار معقولة".
وكان أداء السوق العقارية في الربع الأخير من عام 2016 الأسوأ منذ ست سنوات، بعد أن سيطر عليه الركود، وطاول الانخفاض في قيمة الصفقات العقارية قطاعي السوق السكني والتجاري، ويتوقع الخبراء أن يستمر الانخفاض مع نمو العرض الذي يقابله في ذلك إحجام عن الشراء الأمر الذي يزيد من الضغوط على السوق العقارية.
ودفع تراجع أسعار العقارات والإيجارات السكنية الكثير من الملاك لرفع أسعار الإيجارات التجارية لتعويض خسائرهم، وشهد القطاع التجاري ارتفاعا غير مسبوق، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وأنعكس ذلك سلبا على كثير من الأنشطة التجارية وخاصة الصغيرة منها التي أنهت نشاطها بسبب الخسائر.
ويقول المغلوث: "لم يتأثر القطاع التجاري وظل يشهد ارتفاعات متتالية في ظل عدم وجود عقد تجاري موحد يجبر الجميع على الالتزام بأسعار محددة"، مضيفاً: "نشاهد ارتفاعات غير مبررة، بهدف تعويض خسائر القطاع السكني، وهو أمر تسبب في خسائر كبيرة لأصحاب المحال التجارية، وكذلك للمواطن، فالمحال التي لم تُغلق أبوابها، قامت برفع أسعار خدماتها لتواجه زيادة التكلفة، لأن الملاك رفعوا قيمة الإيجارات بأكثر من 300%، وأمام ذلك كان من الطبيعي أن تغلق كثير من المحال".
ويشدّد المغلوث على أن المشكلة تكمن في أنه لا يوجد نظام يقيد قيمة الإيجار، ويترك الأمر لرؤية صاحب المنشأة والربح الذي يريد تحقيقه، وهو ما يمكنهم من رفع الأسعار دون قيود.
وتشهد مختلف مناطق السعودية، حركة بيع بطيئة للعقارات، خاصة في المنطقة الشرقية التي فشلت فيها 20 شركة للتطوير العقاري في بيع نحو 1500 وحدة سكنية جاهزة منذ أكثر من عام، ولم يزد عدد الوحدات المباعة عن ثمانين وحدة فقط، وبأسعار أقل 20% مما عُرضت في البداية.
وأرجع عقاريون ذلك للشروط الصعبة التي تفرضها البنوك على المقترضين، وإحجام الكثيرين عن الشراء في انتظار انخفاض الأسعار أكثر، وهو ما دفع شركات التطوير العقاري للتوقف عن البناء، لقلة الطلب على الشراء على الرغم من انخفاض أسعار الأراضي بنسبة وصلت إلى 30% في معظم المخططات كاملة التطوير والخدمات، وانخفاض أسعار الوحدات بأنواعها خلال الفترة الماضية.
وفي هذا السياق، يقول الخبير العقاري عبد الله العشن: "من المستحيل توقع عودة أسعار العقارات للارتفاع الذي كانت عليه، ومن يرفض البيع بالأسعار الحالية في انتظار ارتفاعها، سيخسر أكثر، خاصة بعد البدء الفعلي في تحصيل رسوم الأراضي البيضاء، والتي ستجبر الكثيرين على التطوير أو البيع، وسيزيد ذلك من المعروض، مما يدفع بالأسعار أكثر نحو القاع".
وتستهدف وزارة الأسكان تحصيل الرسوم على نحو 261 مليون متر مربع في الرياض والدمام وجدة فقط، وهي المناطق التي تشهد المرحلة الأولى من تطبيق الرسوم الجديدة على الأراضي البيضاء.
ويتوقع العشن أن تنخفض الأسعار أكثر مع توسع تطبيق فرض الرسوم. ويضيف: "كلما ارتفع عدد الأراضي المعروضة للبيع، انخفضت الأسعار أكثر، وسيدفع ذلك بقية العقارات للانخفاض، فهي سلسلة متواصلة تبدأ من الأرض".
ويعاني السعوديون من أزمة سكن منذ عقود، وتؤكد إحصاءات متخصصة على أن 73% من السعوديين لا يملكون مسكناً، وأن نحو 30% من الذين يملكون بيوتاً يقطنون بمساكن غير لائقة.
وفي مساعٍ لتحريك سوق العقارات، أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) الشهر الماضي، عن رفع نسبة التمويل للقروض العقارية المقدمة للمواطنين من 70% إلى 85% من قيمة المسكن، لتسهيل حصول السعوديين على مساكن. وأكد محافظ مؤسسة النقد أحمد الخليفي على أن زيادة الحد الأقصى لنسبة التمويل من قيمة المسكن الأول للمواطنين ستدعم النمو في القطاع.

المساهمون