ليفربول ملك أوروبا...كيف صنع العلم "المعجزة"

ليفربول ملك أوروبا...كيف صنع العلم "المعجزة"

14 فبراير 2020
ليفربول بطل أوروبا في الموسم الماضي (Getty)
+ الخط -

الإحصاء وتحليل الأداء في كرة القدم ليس مجرد عرض أرقام أو فلسفة زائدة يعتمد عليها المحللون الكرويون، هو علم قائم على حسابات وأرقام واقعية تحصل على أرض الملعب. هذه العملية لا تضمن لأي فريق كرة قدم الفوز إنما تضعه في موقف أفضل لتحقيق النجاح أمام المنافسين.

إليكم قصة رئيس قسم التحليل الرقمي في ليفربول والذي أثبت أن العلم يرفع الكؤوس أيضاً.

غراهام وكلوب
في الأسبوع الثالث من تواجد الألماني يورغن كلوب في ليفربول مدرباً للفريق وتحديداً في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015، دخل رجل يُدعى أيان غراهام إلى مكتب كلوب يحمل مجموعة من الأوراق التي طبعها وعليها إحصاءات رقمية مختلفة. أراد غراهام حينها تقديم نفسه لكلوب وما يمكن لعمله أن يُغير، والنتيجة: يا له من تقديم!

بسط غراهام أوراقه على مكتب كلوب وبدأ يتحدث عن مباراة لبوروسيا دورتموند الألماني قبل انضمامه إلى "الريدز". وشرح غراهام لكلوب عن كيفية تفوق دورتموند الكاسح في المباراة ضد ماينز رغم الخسارة، أرقام غراهام لا تكذب. وردّ عليه كلوب حينها: "أنت شاهدت المباراة، لقد كان جنوناً، لقد شاهدتها".

طبعاً غراهام لم يُشاهد مباراة دورتموند وماينز في الدوري الألماني، وهنا كلوب لم يعرف بعد هوية الرجل الذي بسط أوراقه على مكتبه وبدا متطفلاً.

كان ليفربول يبحث عن مدرب في تلك الحقبة. لكن غراهام كان يُجري بحوثه الرقمية لدى رجل اسمه يورغن كلوب. درس غراهام أرقام فريق دورتموند من الألف إلى الياء (تسديدات، استحواذ، طريقة لعب وكل شيء تقريباً)، وابتكر نموذجا "ماتماتيكيا" أو حسابيا علميا أظهر فيه أن كلوب كان يجب أن يُنهي الموسم وصيفاً وليس في المركز السابع وفقاً للأرقام طبعاً.

استنتج غراهام أن لا علاقة لكلوب بنتائج الفريق، فهو درب فريقا غير محظوظ في تلك الحقبة من التاريخ الكروي. ليوصي غراهام إدارة ليفربول بعد ذلك بالتعاقد مع كلوب وفقاً للعلم وليس الفطرة.

ليأتي تصريح كلوب ويؤكد ذلك بعد أشهر: "قسم تحليل البيانات في ليفربول سبب وجودي هنا"، وهذا التصريح المقتضب يساوي ألف كلمة.


الغرفة البيضاء والتأثير
في ميلوود مركز تدريب فريق ليفربول، غرفة ذات جدران بيضاء آخر الممر المؤدي إلى مكتب المدربين و"الكافيتيريا". هناك يتواجد غراهام الحائز على دكتوراه في الفيزياء النظرية، يعمل كرئيس قسم تحليل البيانات في ليفربول منذ عام 2012. إلى جانب غراهام هناك تيم واسكيت عالم الفيزياء الفلكية، ويل سبيرمان الحائز على دكتوراه في الفلسفة وديفيد ستيل عالم الرياضيات.

فريق تحليل البيانات في ليفربول بقيادة غراهام يُدرك جيداً أهمية كل تفصيل على أرض الملعب، وأن تأثيره سيكون إما سلبياً أو إيجابياً على النتيجة.

يدرس فريق التحليل كل الأرقام للفريق ولمنافسيه أيضاً، يقدمون تقارير لكلوب تُساعده على تطوير الأداء وفهم كرة القدم بطريقة علمية والحصول على أفضلية في الملعب.
منذ أشهر، تحدث الجميع عن ركلة أرنولد الركنية الخارقة التي منحت ليفربول بطاقة نهائي دوري أبطال أوروبا على حساب برشلونة. حسناً، علينا أن نخبركم أن هذه الركنية لم تكن محض مصادفة، فوراءها الكثير والكثير.

اكتشف فريق تحليل البيانات في ليفربول برئاسة غراهام من خلال البيانات الرقمية أن برشلونة يكون متشتتاً قبل تنفيذ الركلة الركنية، وطبعاً قدم الفريق توصية لكلوب للتنبه لهذه النقطة المهمة فنياً.

ترجم كلوب هذه التوصية حرفياً على أرض الملعب، ليفربول كان سريعاً على أرض الملعب، سريعاً جداً في كل شيء تقريباً. ثلاثة أهداف خاطفة.. أما الرابع فحكاية أخرى.

السرعة في إعادة الكرة من حامليها لأرنولد. سرعة أرنولد في ملاحظة تشتت دفاع برشلونة وخروجه من اللعبة. الكرة العرضية ومتابعة أوريجي فهدف، هذا جنون.

تعليمات كلوب لجامعي الكرات كان حرفياً: أن يلعبوا الكرة بسرعة في المباراة، وطبعاً تعليماته باستغلال تشتت لاعبي برشلونة مع كل رمية تماس أو ركلة ركنية، هي توصية غراهام.

تأثير على الصفقات
لم يقتصر دور غراهام على تحليل بيانات وإحصاءات فريق ليفربول التي جعلته يُطور أداءه وصولاً إلى التتويج بلقب دوري أبطال والسيطرة على الكرة الأوروبية، بل كان لفريق التحليل دور كبير في حسم الصفقات التي كان لها تأثير كبير في موسم 2018-2019.

ففريق غراهام لاحظ أن محمد صلاح ورغم أرقامه المتواضعة في إيطاليا، إلا أنه مهاجم قوي وسيكون صفقة مفيدة لفريق ليفربول، وفعلاً أوصى غراهام بالتعاقد مع محمد صلاح وفقاً لبياناته الرقمية.

كذلك اكتشف غراهام أن لعلاقة فيرمينيو وصلاح تأثيرا كبيرا في خط هجوم ليفربول، وفعلاً صنع هذا الثنائي "ديو" قاتلا في الثلث الأخير وساهم بأهداف كثيرة (صناعة وتسجيل)، فيما أمسى صلاح واحدا من أعظم هدافي فريق "الريدز" في التاريخ.

 يا له من غراهام وفريق عمل غيّر الكثير من شكل ليفربول وساهم بسيطرته على أوروبا وصناعته المعجزة الكروية التي تمثلت بتحقيق لقب دوري أبطال أوروبا ولقب "البريمييرليغ" الذي على الأغلب سيكون من نصيب ليفربول هذا الموسم.

المساهمون